فلسطينيو سوريا ضحايا نظام مزاجي

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]فاروق يوسف [/COLOR][/ALIGN]

منذ أكثر من ستين سنة يولد الفلسطيني لاجئاً. واقعة تاريخية شاذة استطاع الفلسطينيون بطريقة فذة أن يصنعوا منها قاعدة لهوية قلقة. هوية هي مزيج من فكرة الوطن الأم وصورة وطن العيش، الذي هو مكان اللجوء العربي.
وإذا ما كان الفلسطينيون قد نجحوا في أحيان كثيرة في الاندماج بالمجتمعات التي ولدوا بين أحضانها، فإنهم بالقوة نفسها حرصوا على إبقاء مسافة ود تفصل بينهم وبين تلك المجتمعات.
غير أن تلك المسافة كانت تضيق أحيانا إلى الدرجة التي يتحول فيها الفلسطيني إلى طرف في الصراعات المحلية، كما حدث في لبنان أثناء الحرب الأهلية التي بدأت عام 1975 لتستمر خمسة عشر عاماً، شهد الفلسطينيون سبعة أعوام عصيبة منها. وما كانت تلك المسافات لتضيق لو أن النظام السياسي العربي كان متوازنا في تعريف الوجود الفلسطيني.
لقد حدث سوء فهم عظيم لمعنى أن يعيش الفلسطيني بيننا من غير أن يتخلى عن حقه في البحث عن الوسائل التي يمكنه من خلالها أن يسترجع وطنه الأم. فهناك من كان يرى أن على الفلسطينيين الالتزام بصفة لاجئ مؤقت، من غير أن يفكروا بحمل السلاح والمقاومة داخل الأراضي المحتلة ومن ثم تعكير أجواء الهدنة التي كان العرب يتظاهرون بأنهم لا ينظرون إليها بعين الرضا.
في المقابل هناك من بلغت به الحماسة إلى درجة الدعوة لا لتسليح الفلسطينيين فحسب، بل وأيضا لاعتبارهم جزءا من التركيبة السياسية للبلدان التي يقيمون فيها.
لم يحرص النظام السياسي العربي على تحييد الجسد الفلسطيني اللاجئ، بل زج به في أتون االصراعات والخلافات العربية ـ العربية، فصارت الحركات الفلسطينية المسلحة جزءاً من تلك الصراعات، حيث ألقت عليها الأنظمة مهمة تنفيذ الكثير من العمليات الأمنية والعسكرية التي لا علاقة لها بمقاومة العدو الغاصب.
ولا نبالغ إذا قلنا إن هناك عدداً من الحركات الفلسطينية قد تشكلت بناءً على رغبة الأنظمة العربية في أن تجد لها من يقوم بتنفيذ العمليات القذرة بدلا من أجهزتها. وبسبب ذلك الواقع فقد خسر الفلسطينيون قدراً لا يستهان من مصداقية وجودهم المقاوم. هل كان التمويل هو المشكلة التي سقط الفلسطينيون بسببها ضحايا لابتزاز الأنظمة؟
من المؤسف أن يكون التمويل هو جزءاً من المشكلة وليس المشكلة كلها.
كان هناك من ربط بين الوجود الفلسطيني ومسألة خضوع ذلك الوجود لأوامره والشروط التي يجدها مناسبة له، لا للفلسطينيين. طبعا هناك من بين الفلسطينيين فئات وجدت في تلك العلاقة المريضة وسيلة للإثراء وممارسة نوع متخيل من السلطة، هي سلطة من لا سلطة له على الواقع. لقد غرقت تلك الفئات في خيال السلطة، وصارت تمارس نفوذها بطريقة تكشف عن التحاقها الذيلي بالأنظمة التي ترعى شؤونها وتمولها وتضع لها الخطط.
غالباً ما كان الفلسطينيون العاديون يدفعون ثمن تلك السمعة والتصرفات السيئة. حدث ذلك بطريقة بشعة في ليبيا، حين قرر العقيد القذافي طرد عشرات الألوف من الفلسطينيين في لحظة غيظ، كان سببها اضطراب علاقة الرئيس الليبي الراحل بعدد من الزعماء الفلسطينيين.
أما في الأزمة المصيرية التي تشهدها سوريا منذ حوالي سنتين، فقد كان هناك قرار فلسطيني صارم بالتزام موقف الحياد. وهو موقف لم يعجب الطرفين المتحاربين، بالرغم من أن الحكومة قد أعلنت ترحيبها به.
أما المعارضة السورية فإنها لم تبالغ حين اتهمت بعض الأطراف الفلسطينية بالدفاع عن النظام ودعمه ووضع إمكاناتها في خدمته. وهو أمر لم يكن يخفى على أحد. فالنظام السوري الذي ارتكبت قواته مجزرة تل الزعتر في لبنان في منتصف سبعينات القرن الماضي، وكان الفلسطينيون ضحاياها، كان قد وضع تحت إبطيه عددا لا يستهان به من الجماعات والقيادات الفلسطينية. ولم تكن تلك الرعاية لتتم من قبل النظام السوري من غير أن يقابلها الفلسطينيون بالولاء والطاعة.
ولهذا فقد كان متوقعا أن يقع الفلسطينيون في المصيدة. وهذا ما حدث فعلا. فبعد أن كان مخيم اليرموك في دمشق بمثابة البقعة الآمنة الوحيدة على التراب السوري، ها هو يتحول إلى ساحة حرب، مادتها فلسطينيون معارضون وموالون وسوريون ينتمون إلى أكثر المنظمات المعارضة تشدداً.
نزح الآلاف من سكان المخيم، فصار عليهم أن يبحثوا عن مخيم لجوء جديد. قدر فلسطيني هو أشبه باللعنة التي لا يرى الفلسطيني فيها حدثاً عابراً. هي علامته في تاريخ عربي دفع الفلسطينيون ثمناً غالياً لتقلبات مزاجه.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *