الديموقراطية لا تحب العرب

• عبدالرحمن آل فرحان

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبدالرحمن آل فرحان[/COLOR][/ALIGN]

الديمقراطية .. ليست آلية للحكم فقط .. إنما أيضاً نمط حياة للفرد والمجتمع ، ما يعني أن لها ارتباطاً بالوعي الفردي قبل أن تصبح مرتبطة بالصندوق الانتخابي ، لذا قبل أن نتحقق في طبيعة العلاقة بين الديمقراطية والعرب علينا التمعن في واقع المجتمع العربي ذاته ، حيث لا يخفى على أحد مدى التباين الحاد في منظومة الأفكار والمعتقدات داخله سواء على الصعيد الديني أو على الصعيد الاجتماعي ،الأمر الذي يعطي مظهر الوحدة الاجتماعية طابع الدوائر المتنافرة عن بعضها والمتحابية على ذاتها في آن معاً، فللمشهد الاجتماعي -لمن يراه من العمق- داخل القطر الواحد سمات القلق والترقب بل والتربص أحياناً ، وهذا ما يفسر لنا هوس تشكل الجماعات ذات النسق الفكري الواحد واللبس الواحد والنظرة الواحدة والتي قد تتطور من حالة التجمع السري إلى العلني ثم إلى حالة التسلح العسكري «حزب الله نموذجاً»، ومع كل بارقة أمل للتطبيق الديمقراطي المنظم لطبيعة العلاقات فيما بين تلك الجماعات من جهة وما بينها وبين الرقم الانتخابي من جهة أخرى تزداد توترات تلك العلاقات حدة سيما إن كانت مختزلة في تجمعين أحدهما يوصف بالأقلية والآخر بالأكثرية ، والمصيبة أن الأقلية والأكثرية هنا ليست كما نراها في المجتمعات الحرة المستندة على البرامج التصحيحية لحالات الكساد الاقتصادي أو البطالة كما في النموذج الأوروبي ، إنما تكمن في كون الأكثرية لدينا –عادة- تحوز أكثريتها بوصفها قائمة على أسس عقدية دينية محضة لا علاقة لها بالمشاريع السياسية والبرامج الاقتصادية «الإخوان نموذجاً»، بمعنى أن الفرد العربي هنا أضحى بين أمرين لا ثالث لهما ، إما أن يؤكد إيمانه بالله ويمنح صوته للمتحدث باسم الله ، أو أن يؤكد على شيطانيته وكفره بمجرد أن يمنح صوته لغيره ، والمشكلة ليست في هذا وحسب ، إنما في أن الصندوق الانتخابي يعطي المبرر للرقم الكبير «الأكثرية» للتحكم في مسار الحياة بكافة مناحيها دونما اعتبار لحاجات الرقم الصغير (الأقلية ) على طول المدى، لأنها ( أي الديمقراطية العربية ) تحولت من وسيلة لضمان وصول الأجدر والأكثر كفاءة لدفة الحكم إلى عملية جهادية تفضي إلى الاختيار بين الإيمان والكفر دونما اكتراث لأي اعتبارات أخرى ، بمعنى أكثر دقة ..المسلم لا يمنح صوته للمسيحي والعكس ، والسني لن يمنح صوته للشيعي والعكس ، حتى وإن سلم المجتمع من هذه التباينات العقدية في بنيته فلا أقل من تطفو مكانها التباينات الاجتماعية كطابع القبلية والعشائرية والأصل والفصل وغيرها مما لا تتيح للكفاءة والقدرة وحسن التدبير من فرصة لتنظيم المسألة .
ومن هنا أعود لما بدأت به حديثي في أن الديمقراطية تبدأ من الوعي أولاً وقبل كل شيء وليس كما يظن البعض في أنها صناديق وأرقام انتخابية فقط ، فإن كان الوعي -سواء الفردي أو الجمعي- لا يؤمن بأن المواطنين سواء على منصة المواطنة ، لكل منهم ذات الحقوق وذات المعاملة وذات الفرص فلن يتم لهذا الوعي والنهج الديمقراطي أي صورة من صور التوافق أبداً ، حتى وإن تم فرض الديمقراطية على المجتمع فستظل ديمقراطية مشوهة تكرس هيمنة الظلم على العدل ، والباطل على الحق ، المفسد على المصلح .

@ad_alshihri : by twitter

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *