نظرة في مقترحات دينيس روس

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]معتصم عوض[/COLOR][/ALIGN]

كشفت العديد من الصحف العربية والأجنبية مؤخراً
عن \”خطة\” للسلام مكونة من 14 نقطة لدفع عملية السلام استناداً إلى حل الدولتين، يحملها المبعوث الأمريكي السابق لعملية السلام \”دينيس روس\” للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.وتأتي هذه الخطة المقترحات عقب فوز الرئيس الأمريكي باراك أوباما بولاية ثانية، فهل تعكس هذه المتقرحات، حتى لو افترضنا تطبيقها، حلاً لتنشيط عملية السلام القائمة على حل الدولتين؟ وهل تمثل وجهة النظر الرسمية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية؟ أم أنها مجرّد ورقة يقوم بعرضها دينيس روس ككبير المستشارين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى؟.وتتلخص مقترحات دينيس روس في 14 نقطة، سبعة تنفذها الحكومة الإسرائيلية، وسبعة أخرى تنفذها السلطة الوطنية الفلسطينية، من أجل إعادة بناء الثقة بين الطرفين. وعليه يقترح دينيس روس على الحكومة الإسرائيلية أن تقوم بتسهيلات اختيارية لمن يرغب من المستوطنين للانتقال للعيش داخل إسرائيل، وذلك من خلال تعويضهم وبناء المساكن لهم. كذلك يقترح دينيس روس القبول ببناء وتوسع المستوطنات \”الشرعية\” والتي هي جزء من إسرائيل حسب زعمه. بالإضافة إلى ذلك يقترح دينيس روس العمل على دعم الاقتصاد الفلسطيني، وتخفيف القيود على الفلسطينيين في منطقتي \’ ب\” و \”ج\”، وإعطاء الفلسطينيين سلطات أمنية في المناطق المصنّفة \”ب\”. في المقابل يطلب دينيس روس من الفلسطينيين وقف ما أسماه التحريض ضد إسرائيل، والإقرار بارتباط الطرفين التاريخي بالأرض، وتعزيز التطبيع من خلال تبادل العلاقات بين الأطفال والشباب الفلسطيني والإسرائيلي، كذلك الاستمرار في بناء مؤسسات الدولة. فهل ما يقترحه دينيس روس من نقاط تهدف بالفعل إلى حل الدولتين؟.
يبدو أن دينيس روس بعيد عن الواقع، فلا أدري إن كان يعلم، ولعله يعلم، أن إسرائيل مستمرة في توسيع مستوطناتها، بل وتقوم كل يوم بطرح عطاء جديد لبناء وحدات سكنية في المستوطنات الإسرائيلية، ناهيك عن الموازنات الضخمة والمتزايدة التي ترصدها الحكومة الإسرائيلية، بشكل علني أو سري، لبناء الوحدات السكنية في المستوطنات، وتسهيل عملية انتقال الإسرائيليين إليها. وعليه كان من الأجدر لدينيس روس، إن كان يقترح خطة للمضي قدماً للأمام، أن يطلب من الحكومة الإسرائيلية أن تقوم بوقف طرح تلك العطاءات، والكف عن بناء الوحدات السكنية، وإلغاء الموازنات، العلنية منها والسرّية، التي تخصصها الحكومة الإسرائيلية لتوسيع المستوطنات. إن المستوطنين كجماعة ضغط داخل المجتمع الإسرائيلي أصبحت من أقوى الجماعات لتأثيرها العميق ليس على السلطة التنفيذية في إسرائيل فحسب بل وعلى السلطتين التشريعية والقضائية. فكيف لا وأحد أعضاء محكمة العدل العليا الإسرائيلية الآن هو مستوطن يسكن في إحدى المستوطنات المقامة على الأرض الفلسطينية المحتلة. فهل يملك دينيس روس أو حتى الرئيس الأمريكي خلال ولايته الثانية أن يوقف هذا المدّ الجارف لتيار المستوطنين الذي يدمّر أي فرصة حقيقية لحل الدولتين؟ هذا إن بقي هناك فرصة أصلاً.
من ناحية أخرى كان من الأجدر لدينيس روس أن لا يقترح القبول بتوسيع المستوطنات التي أطلق عليها أو صنفها بأنها شرعية وأنها جزء من إسرائيل، لأن ذلك مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني الذي أقرّ بعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية كافة التي أقيمت على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967. إذ لا يجوز القبول أصلاً بعمل تصنيف جديد للمستوطنات، فكلها غير شرعية ومخالفة للقانون الدولي، وعليه لا بد من العمل على إزالتها وإرجاع الحقوق إلى أصحابها.
ويقترح دينيس روس تخفيف القيود عن الاقتصاد الفلسطيني، من خلال تخفيض القيود المفروضة على مناطق \”ب\” و\”ج\”. لكن السؤال المركزي هنا ما المقصود بتخفيف القيود؟ هل يعني إزالة حواجز، والسماح ببناء مدرسة هنا، وعيادة هناك، وتأهيل شارع فرعي؟ أم الوصول إلى المصادر؟ لم يتطرق دينيس روس إلى المشكلة الحقيقية وهي تحكم إسرائيل بقاعدة المصادر للاقتصاد الفلسطيني، التي أصبحت ضيقة للغاية وغير قادرة على تعزيز عملية النمو. فكيف لا وإسرائيل تتحكم ب62% من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأكثر من 83% من مصادر المياه، وغيرها من المصادر مثل البحر الميت، وغور الأردن، والمياه الإقليمية لقطاع غزّة، اللازمة لتعزيز عجلة النمو الاقتصادي الفلسطيني، والتي بدونها سنظل رهينة تراجع العملية التنموية، واضمحلال الإنتاجية، وعجز الميزانية،…الخ.
وقد لفت نظري أحد الاقتراحات الأربعة عشرة والذي أفرده دينيس روس للعمل على بناء مخيمات اللاجئين وإنقاذ الفلسطينيين الذي يقيمون فيها من الأوضاع البائسة التي يعيشونها، وقد وضعت عدّة تساؤلات على هذا الاقتراح. صحيح أنّ الفلسطينيين القاطنين في مخيمات اللجوء الفلسطينية يعيشون في ظروف معيشية صعبة للغاية، وهم في أشّد الحاجة للدعم والمساعدة، إلا أن تفرّد دينيس روس لتحسين وضع المخيمات يضع العديد من التساؤلات. فلماذا مثلاً لم يقترح تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين في المناطق المهمشة، ومنها المخيمات؟ لماذا لم يذكر فك الحصار عن قطاع غزّة؟ ولماذا لم يقترح تحسين أوضاع السكان الفلسطينيين في القدس، ومناطق \”ج\”، والمناطق المحاصرة بفعل جدار الفصل العنصري،…الخ. أم أنّ هذا المقترح هو أحد الآليات لإلغاء حق العودة بثمن بخس؟ في المقابل يقترح دينيس روس على الفلسطينيين أن يكفوا عن التحريض ضد دولة إسرائيل، وتعزيز علمية التطبيع الشعبي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي هذا السياق أرى الدوران في حلقة مفرغة، فلم يجد دينيس روس ما يلزم به الفلسطينيين الذين التزموا بكافة الالتزامات السابقة، ولم يجد إلا الضرب على وتر التحريض الذي هو بالأصل جزء من خطاب وحجج اليمين الإسرائيلي بامتياز.
إن مقترحات دينيس روس ما هي إلا استمرار لسياسة المجتمع الدولي في إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعجزه عن حل هذا الصراع الذي تتفاقم أزمته يوماً بعد يوم.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *