عن الندوات الثقافية .. عن تفككنا الثقافي

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]نبيل عودة[/COLOR][/ALIGN]

كلما اشتركت في ندوة أدبية، يزداد فزعي من التفكك الثقافي الذي نلجه بسرعة غير عادية، دون ان تطلق صفارات الانذار ابواقها محذرة .
احيانا لا اعرف لماذا أصر على المشاركة في الندوات، هل هي عادة تلاشت ايامها ؟ مرض عضال لا علاج له؟
اعترف ان مشاركتي في بعض الندوات ، تثري روحي ان لم تثر معرفتي، بعضها اشارك بها رقما او جسدا يملأ بعض الفراغ،بعضها اسقطها من حسابي حتى لا اصاب باكتئاب ، حين اجد انها تكرار بالأسماء وستكون تكرارا غبيا بالنصوص، حتى لو اختلفت مواضيعها. حيث يأخذ بعضها طابعا مغلقا يمكن تسميتها \”بندوات سرية\”.
شاركت قبل ايام بندوة حول كتاب لأديب صحفي، جاد ومثابر، لا اريد الحديث عن الندوة مباشرة، وعن تشابه الكلام ، وتنافس المتحدثين في ابراز مواهبهم في التقييم الايجابي ولا شيء غيره لدرجة ان كل المداخلات متشابهة في المضمون. هذا حقهم ولا اعتراض لي عليه ولكن ما لفت انتباهي ان الندوة تحولت عن الكتاب الى الشخص. من ناحية الشخص هو الوجه الآخر للكتاب، ولكنه ليس موضوع الندوة. تمنيت أن أسمع تقييما نقديا، تقييما اسلوبيا، فلم اسمع الا كلمات معادة باساليب مختلفة باختلاف المتحدثين.الا ان احد المتحدثين ذكر امرا جديدا، بان لغة الكتاب هي لغة الصحافة نتيجة كون الكاتب صحفيا تأثر بلا شك بلغة الصحافة.ولم يرد من المتحدث أي اضافة حول لغة الصحافة التي قد تفهم من قبل الجمهور المشارك بشكل سلبي .
لا اعتراض على اهمية ما طرح بشكل عام عن الكتاب والكاتب، انما التماثل لدرجة غياب كامل للتقييم الأسلوبي للكتاب مثلا، او لفهم الانتماء الأدبي لنوع الكتاب،او تقييم النصوص نقديا، هي ظاهرة سلبية، ثم جرى التركيز على الكاتب، بشكل مبالغ أضاع الهدف الجوهري من الندوة لدرجة ان الندوة انحرفت عن موضوعها ( الكتاب) الى موضوع الكاتب ومواقفه وآرائه، واعتقد ان أكثرية المشاركين لم يجدد لهم هذا الشيء أي جديد.الكاتب صفحة مفتوحة بنصوصه، بمقالاته وما يطرحه من مواقف في صحيفته.
لم نحضر لنصفق ، بل لننمي معرفتنا ونثري ثقافتنا.ولا انفي اني من المعجبين باسلوب الكاتب واتجاهه الأدبي، هذا لا يعني ان العمل قد تم وأكتمل.
ضمن المراجعات المتشابهة والحوار مع الكاتب، طرحت قضايا ثقافية يشكل كل منها موضوعا لندوة او أكثر. للأسف لم تلفت انتباه المشاركين في الندوة او الحوار.
قبل تناول موضع لغة الصحافة، وملاحظات حول الواقع الاعلامي المحلي، اود الإشارة الى قضية مقلقة جاءت في بداية مقالي: \”فزعي من التفكك الثقافي\”.استطيع ان اقول بشكل قاطع ان الغياب الكبير بين الجمهور كان لعنصر الشباب والطلاب، بمعنى آخر ، الجيل الناشئ مشاغله بعيدة عن الثقافة والفكر والمعرفة بكل فروعها.هذا انطباعي ليس من الندوة او الندوات التي اشارك فيها، انما من احتكاكي بالكثيرين من الطلاب والأجيال الشابة.
كيف انحدرنا الى هذا الوضع؟
هناك اجابات واجتهادات كثيرة، ولكن الموضوع يجب ان يلفت انتباه المختصين في التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع ، وان يلفت انتباه منظمات الشباب التي كانت منبرا للتوعية والمعرفة وأصبحت مجرد تنظيمات بلا مضامين ثقافية وبلا توعية واثراء ذاتي فكري وسياسي.
الخطا الشائع لدى بعض المثقفين أيضا، ومنهم كتاب وشعراء ، يعطيهم الوهم ان هذا التعبير لغة الصحافة يعني لغة ما دون الثقافة.ولو راجعنا اعمالهم الكتابية، لما وجدنا إلا لغة الصحافة.
إن لغة الصحافة ،هي اللغة ذات المفردات الأكثر استعمالا وفهما في محيط اللغة العربية الواسع .ربما هذه التسمية \” لغة الصحافة \” هي تسمية خاطئة، ولا تعبر تماما عن الواقع . انا أميل لتسميتها ب \” الفصحى الحديثة السهلة\” كمميز لها عن الفصحى الكلاسيكية ( يبدو ان هناك اكثر من فصحى واحدة). وفي الوقت نفسه أرى ان اللغة في كل زمان ومكان يتحدد شكلها وثروة مفرداتها ، حسب معطيات العصر نفسه .
ان اللغة جسم حي ومتطور باستمرار ، ولكل عصر لغته ، مفردات ومعان ومناخ ثقافي وفكري، وما يسمونها اليوم \” لغة الصحافة \” هي في الحقيقة اللغة الفصيحة السهلة المعاصرة الأكثر سرعة في التكيف مع الواقع والأقرب للمناخ الثقافي المعاصر.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *