«مكرم».. طفل الـ 7 أعوام
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د/ تهاني سعيد الحضرمي [/COLOR][/ALIGN]
تقرأ في ابتسامته براءة الطفولة وتُبحر في نظرات عينيه إلى عالم الصغار الحافل باللعب والأحلام والممتلئ بالضحكات والألوان وترسم من بصمة إصبعه لوحة الفرح التي جعلت والديه أبوين لأول مولود ذكر لهما بعد أعوام من الزواج..
مكرم.. طفل الـ 7 أعوام الذي سلك طريق البهجة في تسلسل حياة والديه وهما يحتفلان بذهابه إلى المدرسة في الصف الأول ويشعران بثمرة عطائهما في الحب والتربية والتضحية والسخاء.
مكرم.. الذي لم تكتمل فرحته بالاحتفال باليوم الوطني الأول بالنسبة له مع مدرسيه وأصدقائه فقد سقط في مدرج المدرسة وهو يلعب بمفرده دون أن يتعرض له أحد – حسب ما جاء في المحضر المدرسي التي يدرس بها – وكان ذلك صباح الأربعاء الأول من الشهر الحالي وبطبيعة الحال هاتفت المدرسة بولي أمر الطالب لإخباره بإصابة الطفل حيث إن الإصابة كانت بليغه وتم استدعاء فريق الإسعاف الطبي لنقله إلى أقرب مستشفى!!
مكرم.. والده يستيقظ الخامسة فجرا ويستقل الحافلة التي توصله وزملاءه إلى مقر عملهم في الصباح وتعيدهم في المساء فهم يعملون بمحطة تحلية المياة في الشعيبة التي تبعد حوالي 120 كيلو مترا عن مكة وعندما تلقى الإتصال الهاتفي من المدرسة اتصل فورا بأخيه – عم الطفل – للتوجه إلى المستشفى ريثما يبحث عن سيارة تُقله إلى مكة وللأسف لا يمكنني أن أصف شعور الأب ذلك الوقت وأترك الوصف إلى كل أب!!
مكرم.. والدته تستيقظ الرابعة فجراً وتستقل الحافلة التي توصلها وزميلاتها إلى المدرسة التي تعمل بها في إحدى قرى منطقة الطائف وتبعد حوالي 180 كيلو مترا عن مكة وعندما تلقت خبر إصابة ابنها من والده اتصلت فورا بأختها – خالة الطفل- للتوجه إلى المستشفى ريثما ينتهي الدوام المدرسي!! فالحافلة تُقل عددا من المعلمات لم يُنهين دوامهن بعد!! وعليه لا يمكن لوالدة الطفل أن تعود بالحافلة أو أن تستقل سيارة بمفردها للعودة إلى مكة!! وفوق كل هذا لا يمكنني أن أصف شعور الأم ذلك الوقت وأترك الوصف إلى كل أم!!
مكرم.. ابن أختي ذهبت إليه بعد الاستئذان من إدارتي وتوجهت إلى المستشفى التي سبقني في الوصول إليها كل من والدي ومكرم وعمه وأستاذه ومدير مدرسته!! رأيته وهو يعتصر من الألم وقد شخّص الأطباء الحالة بضرورة عمل عملية جراحية لإنقاذ يده اليسرى فالشريان لم يعد قادر على نقل الدم لراحة كفه الصغير!! في تلك اللحظة خنقتني العبرة وترقرقت الدموع في مقلتّي!! جميعنا حول الطفل ولكن من منا يستطيع أن يمنحه الشعور الذي يبحث عنه في تواجد والديه معه!! من منا يمكنه تعويضه وهم مصاب عن حاجته إلى عطف والده وحنان والدته!!
مكرم.. هو الآن بخير بعد إجراء العملية الجراحية له لكنه طفل من أطفال مجتمعنا الذين يدفعون ضريبة عمل الأب والأم في مناطق نائية لتوفير رغد العيش لأبنائهم والبحث عن سبل الطمأنينة والاستقرار لهم طاردين الخوف والقلق من أنفسهم بالتوكل على الله واستوداعهم لدى الخالق الذي لا تضيع ودائعه..
مكرم.. عندما تكبر حاول أن تفهم بأنه ليس كل شيء نستطيع قوله وليس كل شيء كما نكتبه يُقرأ حفظك الله وإخوتك من كل مكروه وقّرب الكريم بعيد والديك وقد قدّر الله وما شاء فعل..
قطر:
يقولون.. كلمة أسف ليست كلمة مذلة لصاحبها!! بل هي كلمة تقال لكي يعلم الطرف الآخر أنك لا تريد خسارته!!
العنوان البريدي : مكة المكرمة ص. ب : 30274
الرمز البريدي : 21955 / البريد الإلكتروني
[email protected]
التصنيف: