أناس لهم سطوتهم وحضورهم
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي محمد الحسون[/COLOR][/ALIGN]
هناك اناس لهم بصمتهم ولهم حضورهم الطاغي على ذاكرة الانسان لما لهم من \”كريزمى\” كما يقال اوجدوها لأنفسهم لطاقاتهم وقدرتهم على هضم ما يقومون به من اعمال \”يتمثلونها\” فيعطونها في عفوية وابداع للآخرين : هذا أولهم.
كان رجلا – مهيباً – وصارماً لكنه يحمل قلباً عطوفاً لا يدل عليه مظهره الوقور وجديته الواضحة.
عندما يدخل علينا الفصل ليعطينا درساً في الحساب او في الهندسة كان الفصل يتحول الى حالة صمت غير عادية لهيمنته على كل اولئك الذين يعشقون الاستماع اليه فهو قادر على توصيل المعلومة بأسلوب غاية في البساطة، مرة رأيناه يبتسم ابتسامه خفيفة على غير عادته شجعت بعضنا على سؤاله ما الذي لفت نظره وجعله يبتسم عرف ما نقصد وما نرمي اليه. تحرك بقامته المديدة وبوجهه الاسمر الجميل والبهي واقفل باب الفصل: فقال الآن انتهى وقت الدرس ولكن زمن الحصة باقي عليه اثنتا عشرة دقيقة سوف نستغلها في أمر غير درسكم في الحساب واعطانا ظهره وراح يكتب على السبورة A.B.C كأنه أراد رحمة الله لتفتيح أذهاننا إلى لغة أخرى يعلمنا حروفها الأبجدية.
اتساءل الآن كيف لو فرض تدريس اللغة الانجليزية على الصف السادس الابتدائي وقبل اكثر من خمسين عاماً كيف كان هو حالنا مع لغة العصر الآن.
لقد كان بجانب لغته الانجليزية الفارهة شاعراً فذاً اذكر في عام 1380هـ إن لم تخني الذاكرة أن كتب ابنه الطالب في جامعة الملك سعود الراحل اليها للدراسة ابنه \”أسامة\” قصيدة بين فيها لواعج الغربة والفراق وتبعاته فأتى بها إلينا ليلقيها علينا في الفصل ويكاد الدمع يطفر من عينيه ولشاعريته كتب ذات عام نشيداً نردده بمناسبة زيارة الملك سعود رحمه الله للمدينة المنورة سعود سعود حماك الاله بنصر عزيز طوال الابد انه ذلك الاستاذ الشامخ عبدالرحمن عثمان أستاذنا بل والدنا الذي تعلمنا منه معنى الجدية في الحياة،إنه أحد رموز مدرسة العلوم الشرعية رحمه الله.
•••
•• كان الآخر رجلاً أسمر اللون طويل القامة ممشوقها كان استاذنا في النحو والانشاء يعطيك من مخزون علمه اللغوي في بساطة لا يتكلفها يعطيك كل ما يشبع نهمك ويبسط لك مغاليق هذه اللغة.
ذات يوم قرأ علينا قصة واحد فقير لقي في طريقه \”صرة من المال\” فراح يبحث عن صاحبها مع انه كان فقيراً جداً لكنه لم يمسها فكان كل صباح يأتي الى ذلك المكان لعله يجد صاحبها الى كان ذات يوم شاهد رجلاً راح يغرس عينيه في جنبات الطريق سأله عما يبحث فقال له عن \”صرة بها مال\” سأله لونها وما بها من – مال – تأكد انها له فأعطاها له فكانت هذه القصة موضوع درس الانشاء فطلب منا الاستاذ أن نضع عنواناً لهذه القصة وكان يستمع من كل واحد منا عن اجابته همساً.
لقد كان يعلمنا كيفية اختزال الموضوع في عنوان.
كان الاستاذ بكر آدم وهذا اسمه أحد المدرسين المميزين في مدرسة العلوم الشرعية رحمه الله.
•••
•• هذا الرجل لا يمكن الحديث عن هذه المدرسة إلا أن يتوقف الحديث عنده وعنه .
كان رجلا صارماً له خصوصية في الادارة مع انه لم يكن إداريا لكنه كان ضابطا لحركة العمل داخل \”المدرسة\” وله سطوته ليس على الطالب بل حتى على المدرسين .. كان \”بخزرانته\” الطويلة مرعباً بل كان قاسياً على من تضعه ظروفه في موقع العقاب.. كان كما يبدو يتشفى بالعقاب لصرامته.. لكنه كان ذلك نابع من حبه على السلوك القويم وضبط حركة الطلاب داخل المدرسة كان يتنقل بين أدوار المدرسة الاربعة دون أن تسمع لخطوات \”قبقابه\” صوتاً على ذلك الفرش الحجري الصلد.
كان الاستاذ سليمان سمان رجلاً مخيفاً بصوته الجهوري قبل عصاته وهو المراقب الشهير الذي يعطيك بقسوته معنى الأبوه والرعاية رحمه الله.
هؤلاء ثلاثة من أساتذتنا وغيرهم كثير لعل لي عودة إليهم في قادم الأيام بإذن الله.
•• آخر الكلام
من علمني حرفاً صرت له عبداً
التصنيف: