[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]الدكتور أيمن الشوا [/COLOR][/ALIGN]

لـو قُدِّرَ لمثل هذه الكلمات أن تُلـقَى في بلدٍ أجنبيٍّ ( فرنسا /إنجلترا/ الصّين/اليابان…) وموضوعُها: ضرورةُ تحدّثِ المدرّسين باللغة العربيّة الفصيحة، لعدّوها نافلةً مـن النّوافل، و لم يعبأوا بهـا و عندنا هي الآن ضرورة…لِمَ يا تُرى ؟ لِمَ أيّها الأكارم ؟.كلُّ أمّةٍ من الأمم تُمَجِّدُ لغتَها و تعتني بها و تُقَدّسُها أيَّما تقديس، والأمثلةُ على ذلك كثيرةٌ.
ـ الصّين: الشّعبُ الصيني يحترمُ لغته و يعتزّ بهـا، لحكيم الصّين (كونفوشيوس)(1) كلمةٌ مشهورةٌ حولَ لغتِه ـ و هذا الكلام لغـتُنا أحوجُ إليه مِنَ اللغة الصّينيّة ـ يقول: لو قُدِّرَ لي حُكْمُ البلاد لبدأتُ بإصلاح اللغة
لم يُوَلِّ أهميّةً نحوَ اقتصادٍ أو اجتماعٍ أو سياسة، و إنما وجّه هذه الأهميّة نحو اللغة، لماذا ؟ لأنها عِمَادُ الأمّة!
ـ فـي فرنسا: يحترمون تلك اللغة و يعتزّون بها ولا يسمحون بالتعدد اللغوي، يَفرِضون الغَرَامَاتِ الباهظة على مَن يضعُ لافتةً أو دعايةً باللغة المحليّة، و لا يسمحون في دوائرهم باللغة المحليّة المحكية أو العاميّة!
ـ فـي إنجلترا: لا تَخفى عليكم الأهمية الكُبرى التي يوليها الإنجليز للغتهم، ألا يحـاولون أن تُهيمنَ على العالم و تُسيطرَ عليه ؟ ألا يَعرِضون قواعدَهم بشتّى الوسائل و الأساليب ؟ و كلّ هذه اللغات ليست لغةَ الدّين…
إذا كـان تعريف اللغة إنما هي أداةٌ و وسيلةٌ للتفاهم و التواصل فيما بين الناس، فإنّ اللغة العربية لها وظيفةٌ أعلى وأسمى، إنها لغةُ البيان القرآني..
لذلك لا نجدُ هذه المحاضرة ـ لو قُدِّرَ لها أن تُلقى في تلك البلاد ـ أن تكونَ من الضروريات عندهم؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهم صاحـبُ غَيْرةٍ و صاحبُ اعتزازٍ و قُدسية لتلك اللغة، لقد عَلِموا أنّ عِزَّهم بلغتِهم، كما عَلِم الشاعرُ العربيّ القديم أنّ عِزَّه و فخرَه بلغته
ما رأيكم أيّها الأكارم؟ هذه اللغة التي أضعناها و وضعناها وراءَ ظهورِنا!
يقولُ أحـدُ الغَيورين علـى هـذه اللغـة: إنّ اللغـةَ العربيةَ لغـةُ قرآننا الكريـم و ذاكرةُ أمّتِنا و مستودعُ تراثِها، و هي الرابطة التي جمعت و تجمع بين أبناء الأمّة فكراً و نزوعَاً و أداءً، آلاماً و آمالاً، تاريخاً وحاضراً
ومستقبلاً إنها رمزٌ لِكِـياننا و ثقافـتنا.
لقد تطلعَ أصحابُ الغَيْرة على هذه اللغة إلى ما آلَ إليه أمرُها في شتّى المجالات، فسعَوا إلى تعديلها و الاهتمام بها و رعايتِها حقَّ الرعاية مِن خلال بعضِ التوجيهات المهمّة، آخرُها: القرارُ الجمهوري ذو الرقم 4 بتاريخ: 2612007 بتكوينِ لجنةٍ للتمكين باللغة العربية و المحافظةِ عليها والاهتمامِ باتقانها و الارتقاءِ بهـا مِـنْ خلالهـا و وَضْعِ خطةٍ منهجيةٍ مُحْكَمَة أبانت من خلالِها أنّ أمرَ اللغة لا يقتصِرُ في الدفاع عنه جهةٌ مستقلّةٌ كمَجْمَع اللغة العربية أو قِسم اللغة العربية، و إنمـا لابدَّ مِن تضافرِ الجهود.
كلٌّ يجودُ بما يسعى..
و لمّا كان للمعلمين دورُهم الفعّال في الارتقاء باللغة و إكسابِ الناشئة مهاراتِها كان حريّاً بنا أن نوجّه الأضواءَ نحـو ضرورةِ تحدّثِ مدرسي الطلبة باللغة العربية الفصيحة السليمة المُبِـيْـنَة، و إرشادِهم إلـى الاهتمام الكافي و العنايةِ التامّة بها و التوَجّهِ إلى مواقع الفصاحةِ و الصواب، و صرفـِهم عن مظانّ الغلطِ و وجوهِ الركاكة.
أيّها الأكارم: إنّني لأشعرُ بأنّي واحدٌ من المهتمين الغَيُورِين على هذه اللغة سواءٌ في وزارة التربية أو في وزارة التعليم العالي أو في وزارة الثقافة أو في مَجمع اللغة العربية أو في قِسم اللغة العربية، فهَمُّـنا واحدٌ، همُّـنا جميعاً واحدٌ، كلُّنا في الهمِّ شرطُه..
إذن أنا منهم و أنا غَيورٌ على هذه اللغة، فمِن نِعَمِ الله على الطلاب أَنْ يَحظَوا بالمدرّس الملتزم بالعربية الفصيحةِ الـمُبِيْـنَة، الذي يُرَبِّيهم على السليقة العربية بالمحاكاة و المِران.
لو نظرنا إلى أساليب المدرِّسين في شتّى المجالات سنجدُ صورتين متناقضتين:
سنجدُ صورةً إيجابيّة يُمَثِّـلُها المدرِّسُ المربي، و صورة أُخرى يُمَـثِّلُها مدرسٌ جعلَ تدريسَه صناعةً اعتيادية يقومُ بتحضيرِ الدّرس سنةَ 1970 ثم يُعيد و يُكرّر هذا الدرس في هذا العام! و النّماذجُ مشهورةٌ في ذلك.
معلومٌ أنّ للمعلم أَثْـبَتَ تأثيرٍ في نفوسِ طلابِـه _ لاحظوا الصورة المضيئة _ لأنّـه الجليسُ الدائم و العشيرُ الملازم، إنّه قدوتُهم في فكرِه و في علمِه وحديثِه الذي تنطبعُ حروفُه في مُخَيّلتِهم و ترتسمُ ألفاظُه على لسانهم ,فإذا تكلّـم التلميذُ نطـقَ بما يتلوه المدرّس، و إذا تناجَت خواطـرُه لم يمرَّ بها إلا ما تلقّنَ مِنْ أقوالِ مُدَرِّسِه إلى أن تنتقشَ صورةُ الدّرسِ في فِكْرِه لا تغيبُ و لا تُمحى..بـل تترسّخُ رسوخَ طباعِه فتستمرُّ صورةً مـن المدرّس المربّي فإذا تلقّى اللغةَ السليمة و أَلِفَها انتقلت إلى حِفظِه و فكره و صارت مَلَكَةً في طبعه و وجدانه فكان مَحَلاً للخير وقدوةً لبناءِ مجتمعٍ لُغويٍّ سليم..ولكن ما الصورةُ الأخرى؟.
إذا لم يلتزم المدرّس بالتحدث باللغة العربية الفصيحة كـان قدوةً للشّر المحض و للبلاء الفاشي، يقذِفُ بطلابه في مهاوي الشرّ، و يقتادُهم في شِعابِ الغَيِّ و الضّلال، و كان كالجربِ في الأمة يُعدِي بعضُها بعضاً.و إنّنا لنسألُ المدرّسَ الذي استعانَ بهذه اللغة و تنكّبَ جانبَ الصِّحةِ و السّداد:
إنّ امتلاك اللغة الصحيحة ليس صعباً، صحيحٌ أننا قد ابتعدنا عن البيئة اللغوية السليمة و عن جوّ السليقة و البيان العذب الذي نشأ فيه العرب، فتكلموا لغةً هذّبتها الفِطرة و أحكَمَتها السليقة، فخرج بيانُهم كالسلسبيل العذب..ليس تَعلُّمُ اللغة صعباً ؛ لأن اللغةَ ـ بمفهومها الحديث ـ لا تخرج عن كونها نوعاً من العادة.. اللغةُ نوعٌ من العادة، و لـمّا كانت العاداتُ لا تُكْتَسَبُ إلا بطريق التدريبِ الواعي الـمُـنَظَّم و الممارسة المستمرة كان اكتساب اللغة لا يختلف عن اكتساب أيّ عادة أخرى كالضرب على الآلة الكاتبة و تعلّمِ الحاسوب و الرياضات المختلفة و قيادة السيارة و نحو ذلك.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *