عصر النقود المحملة بالديون

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. صلاح عبد الكريم [/COLOR][/ALIGN]

لنحكم بأنفسنا على حقيقة الأزمة المالية العالمية وكيفية الخروج منها لصالحنا ولصالح البشرية. فمنذ حدوث الأزمة، بل وحتى قبل ظهور إرهاصاتها، تحدث كثير من خبراء الاقتصاد عنها، شارحين ومحذرين ومقترحين للحلول، لكن الغالب على أحاديثهم ودراساتهم وحلولهم كان النظر إلى الأزمة من داخل سياق علوم الاقتصاد الغربية، مهتدين بالأصول النظرية للفكر الاقتصادي الغربي. وهم لهذا السبب (من وجهة نظري) لا يسهمون في إيجاد حلول حقيقية لهذه الأزمة، ولا في إخراج الناس من حيرتهم.وإذا فكر الجميع من داخل القفص الحديدي الذي تجد البشرية نفسها فيه رهينة هذا النظام المالي الاقتصادي الذي وضعته الحضارة المادية الغربية، فليس هناك مخرج لا من هذه الأزمة ولا من القفص الحديدي.ونحن لهذا، عند تناولنا لهذه الأزمة، ننطلق بالضرورة من منطلقات مختلفة؛ لأننا لو انطلقنا من نفس المنطلقات، فستصيبنا الحيرة التي أصابت الجميع.
يأنف بعض الناس من أن يتم التذكير بحقيقة أن الله عز وجل توعد المتعاملين بالربا بحرب منه، آذنهم بها وحذرهم منها. والعقل يحار في وصف آخر مناسب للشرور التي حاقت بالعالم، وتحير الحليم من جراء النظام المالي الحديث.نحن جميعا نتعامل بنقود محملة بديون تدفع عنها فوائد هي الربا في أبشع صوره؛ لأن الربا القديم كان يحصل على نقود حقيقية يأخذها المقترض من المرابي، ولكن النقود الحديثة تنتقل إلى حيز الوجود حال اقتراضها. فالربا هنا يعني تحصيل إتاوة على لا شيء، فقد أصبح الربا أمرا مؤسسيا في إطار هذا النظام.
ويعود أصل رأس المال الذي يسعى لتوليد المزيد من نفسه دون أن يقدم أية سلعة حياتية أو خدمية إلى الربا، ولكن لم يحدث في التاريخ البشري من قبل أن كان هذا الشكل هو النمط المسيطر على تنظيم الحياة الاجتماعية.لقد حدث هذا عندما أصبح المال يدور في دوائر مغلقة بين استثمار المال وتوليد الأرباح بحيث أصبح في كل مرحلة من نموه يرتبط بهدف واحد، هو مضاعفة نفسه، ولم يعد هناك الآن أي التزام لرأس المال تجاه أي نظام اجتماعي على وجه الأرض.فالأموال تتحرك بحرية وتتزايد وتدخل إلى البلدان كلها وتخرج منها، ليس بغرض دعم الحياة الاجتماعية في الدول المضيفة، بل على النقيض، وحتى الموارد وأشكال الحماية القانونية والسياسية يتم توجيهها لزيادة انتشار هذا السرطان الرأسمالي.العجيب هنا هو أن الجميع مدينون وبلا استثناء! الأغنياء، سواء أكانوا رجال أعمال أم شركات كبرى أم حكومات دول كبرى وعظمى، بل إن الدولة العظمى الوحيدة هي أيضا في نفس الوقت الدولة المدينة العظمى! لقد استعصى على فهمي أن الجميع مدينون، وبلا استثناء.. الجميع.من هو الدائن إذن لكل سكان الكرة الأرضية؟ والحكمة الريفية التي تعلمناها من أجدادنا ويعرفها الجميع هي أن الدين ذل. من هنا يذل من؟.إن كل دول العالم، وكل المؤسسات الصناعية الكبرى في العالم تقريبا، ومعظم سكان الدول الصناعية مدينين إلى الجهات التي تصدر النقود، أي البنوك المركزية والبنوك الخاصة والبنوك التجارية… إلخ، إن نظام البنوك الحالي يخلق سلسلة لا تنتهي من الديون والقروض.إننا نعيش في عصر النقود المحملة بالديون، وكل المحتوى النقدي سوف يتلاشى إذا حدث أن تم سداد جميع الديون والقروض البنكية.وبموجب النظام الحالي، فلن يسمح بأي تقليص خطير سواء في الدين القومي أو في ديون الأفراد، وهذا الأمر يتم إخفاءه عن الجميع! لقد كان من الطبيعي أن تكون آلية إيجاد النقود على رأس الموضوعات الأساسية في مناهج المال والاقتصاد الجامعية؛ وذلك لأهميتها الشديدة في فهم الاقتصاد، ولكن هذا لا يحدث للأسف، راجع بنفسك تلك المناهج لتتأكد مما أقول.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *