[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]فوزي عبدالوهاب خياط[/COLOR][/ALIGN]

أخذ يفكر طويلاً .. ويزيد في التفكير .. يتأمل الذي حوله .. ويتساءل .. ثم يتساءل.. حتى تزدحم الرؤى .. ويضيق الصدر بالأفكار.. والأماني .. والطموحات !!
وضجت نفسه بالسؤال: هل أظل على دكاني الصغير .. أبيع اللبنية واللدو.. والهريسة .. والطحينية .. وأحصد في نهاية الشهر القليل بعد قسط إيجار المحل، وأجرة هذا الهندي الذي يساعدني في المحل .. وشراء مكوّنات صناعة هذه الحلوى!!
لا .. هكذا قرر بأن يغلق هذا المحل الذي ورثه من والده بعد مماته ويتجه إلى فتح محل لبيع وإيجار العقار.. نعم فهذه المهنة مربحة , وصفقاتها بالآلاف..
استأجر المحل.. واشترى الأثاث اللازم .. وجلس على كرسيه خلف المكتب الذي اختاره بعناية فائقة .. تحفه الآمال .. وتواكبه الأماني.. وتزدهر التطلعات على كفيه!!
وتوالى الزباين.. هذا يريد أرضاً .. وذاك يبغى استئجار فيلا .. وآخر يطلب عمارة كبيرة للاستثمار .. وبدأ الرجل يبحث . . ويفتش .. ويسأل .. دون أن يتوقف حتى ضاعت عشرات الصفقات .. ومضت الشهور.. وجاء موعد الإيجار الجديد لمحله دون أن يحصد شيئاً !!
ولم تكن السنة الثانية بأفضل من الأولى .. حتى ضاقت به الدنيا .. لم يكن الندم مفيداً .. ولا الحسرة بمخرج من هذا المأزق .. وتذكر رفيق والده الراحل .. رجل في الثمانين قضى حياته مقاولاً ناجحاً .. وموفقاً .. حتى أقعدته السنين بعد أن وفر لمستقبله مايجنبه ذل السؤال..
ذهب إليه صاحبنا وحكى له قصته .. وأفصح له عن طموحاته .. وآماله.. التي اصطدمت بالإخفاقات والعثرات.. فابتسم صديق والده .. وقال: يابني كل صنعة ولها مفتاح .. ولها أسلوب لا يفهمه ويجيده الا أصحابه الخبراء بأسرار مهنتهم .. فكيف تترك مهنة والدك .. ومهنتك.. وقد عرفت أسرارها .. وسبرت أغوارها .. ونجحت في كسب رزقك منها ؟!
يابني .. كان بإمكانك تطوير مؤديات مهنتك .. والأخذ بأسباب المزيد من إرضاء الزبون الذي تعوّد على الشراء في محلك .. وأن توسع دائرة الأصناف التي تقدمها لزبائنك.. أما أن تهجر صنعة أبوك فهذا خطأ كبير قادك لخسائر كبيرة .. وعليك أن تعود لصفتك الأولى وقد جاء في قول الأسبقين \”صنعة أبوك .. لا يغلبوك\” .
وعاد صاحبنا بالفعل للصنعة القديمة .. واستأجر المحل في موقع ممتاز .. واعتنى بالديكور بعد أن أصبحت قناعة الناس في عيونهم وقدَّم ألواناً جديدة من الحلويات وتوافر على الجلوس الدائم في محله حتى أزهرت الأمور .. وأكرمه الله .. وبات فخوراً وحريصاً على منهته التي يفهم أسرارها .. وخباياها..
لقد استوعب الرجل الدرس فحقق النجاح .
آخر المشوار
قال الشاعر:
ياباري القوس برياً ليس يصلحه
لا تظلم القوس إعط القوس باريها

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *