نهاية النظام العالمي الجديد
محمود صالح عودة
لم تكن مفاجئة التحوّلات الاقتصادية السلبية في الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما أن العالم بدأ يشعر بإرهاصاتها مع بداية الركود الاقتصادي قبل 4 أعوام.من المعلوم أن الولايات المتحدة عبارة عن شركات، إذ أن أصحاب الأموال فيها هم أصحاب القرار، فلا تُتخذ خطوة مهمة واحدة إلا بعلم هؤلاء وبموافقتهم وبشروطهم. كما أن أمريكا تتفاخر بكونها أم الرأسمالية العالمية المتأثرة بنيويًا بالمذهب الاقتصادي \”الطبيعي\”، الذي قال منظّره عن الملكية الفردية: \”هذه الملكية حق من حقوق الطبيعة وغريزة تنشأ مع نشأة الإِنسان، فليس لأحد أن يعارض هذه الغريزة\”.وقد بدأت تبني هذه الغريزة – إلى جانب العقيدة التوراتية المحرّفة – \”الحضارة\” الأمريكية على جثث ملايين من الأمريكيين الأصليين في بداية تأسيس الولايات المتحدة (هناك إحصائيات تقول إن 80 مليونًا قتلوا جرّاء القتال والأمراض التي جلبها الأوروبيون المستعمرون الجدد معهم) وحتى هذه اللحظة ما زالت أمريكا تنتهج نفس العقلية الغريزية الرأسمالية في التعامل مع شعبها ومع دول العالم.فالرأسمالية الأمريكية تفرض ضرائب غير قانونية على الشعب الأمريكي منذ بداية القرن العشرين، وفي عام 2008 انتشرت فضيحة \”ضريبة الدخل\” في أمريكا، إذ لا تعتبر هذه الضريبة إجبارية بل اختيارية، مما أثار بالتالي جدلاً واسعًا حول مشروعية وقانونية الضرائب داخل الولايات المتحدة بشكل عام، كون الذين لا يدفعون هذه الضرائب الاختيارية تصدر أحكام جنائية بحقهم ويعاقبون ويسجنون.
كما شملت رأسمالية أمريكا التعامل مع العالم كسوق ومع الناس كسلع، بلا قيم أخلاقية ولا إنسانية، إذ تستخدم أمريكا كل الوسائل للحصول على غاياتها – فـ\”الغاية تبرر الوسيلة\” – وعلى رأس هذه الوسائل القوة العسكرية المباشرة، حيث إما تضرب القوّات الأمريكية الدول التي تأبى الانبطاح لمشاريعها السياسية والاقتصادية، أو تهددها وترهبها بإثارة الفتن والانقلابات الدموية داخلها؛ كتعامل الولايات المتحدة مع دول أمريكا اللاتينية وعلى رأسها فنزويلا؛ صاحبة الموارد الطبيعية الكثيرة، والتي يتبنى رئيسها خطًا معاديًا للإمبريالية الأمريكية. كذلك الحروب الإجرامية التي شنتها أمريكا على أفغانستان والعراق، والتي أدت إلى مقتل أكثر من 1.5 مليون عراقي ومئات آلاف الأفغان وشردت ملايين أخر، للحصول على ثروات البلدين وفرض إرادتها السياسية عليهما بحيث تحفظ المصالح الاقتصادية الأمريكية.كما تنتشر القوات العسكرية الأمريكية في كثير من دول العالم تحت ذريعة الأمن وحماية المصالح الأمريكية وذرائع أخرى، وتستخدم أمريكا أساطيلها وقواعدها العسكرية في العالم لابتزاز الدول سياسيًا واقتصاديًا، كل ذلك ضمن الرأسمالية الاستكبارية.
ولا يخفى على أحد الدعم الأمريكي اللا-محدود لإسرائيل، فالدعم الأمريكي لإسرائيل لا يأتي فقط لكونها حليفة الولايات المتحدة السياسية والعسكرية، بل إن أمريكا ومعها بعض الدول الغربية يعتبرون إسرائيل حامي المصالح الاقتصادية الغربية في الشرق الأوسط، ولا يبالي هؤلاء في دعمها والدفاع عنها بالرغم من عنصريتها وظلمها وإجرامها – حتى بحق مواطنين أمريكيين وغربيين – لمصالحهم الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
إن ظلم وفساد الولايات المتحدة الأمريكية يأتي ضمن رؤيتها ومنظورها للسياسة، ويحقق مقولة العالم السياسي اليهودي هانس مورغنتاو: \”السياسة: صراع من أجل القوة والسيطرة\”. كما أن ثقافة الطمع والإسراف في الرأسمالية الأمريكية هي سبب رئيسي في تراجع الاقتصاد الأمريكي.
مع مؤشرات فشل الرأسمالية الإمبريالية، وبعد فشل الشيوعية في تحقيق منظومة اقتصادية عادلة، على أهل الاختصاص في الاقتصاد الإسلامي الاجتهاد للمساهمة في حل الأزمات الاقتصادية وإيجاد منظومة اقتصادية عادلة، ترشد الإنتاج والاستهلاك والتجارة في العالم، لا سيما أن في الإسلام ما يحفظ حقوق الفقراء والمساكين الذين هم أول ضحايا منظومات الاقتصاد الفاسدة، حيث كانت الدولة الإسلامية الأولى في التاريخ التي قاتلت من أجل حقوقهم، كما فيه ما يحفظ حق أصحاب الطموحات المادية بالحدود التي تحفظ حقوق غيرهم.
إن هبوط الاقتصاد الأمريكي إلى جانب المخططات الشعبية الأمريكية لثورة اجتماعية في أكتوبر المقبل، هي مؤشرات لأفول النجم الأمريكي ونهاية عصره الذهبي، ونهاية \”النظام العالمي الجديد\” الذي خططت له أمريكا ومن وراءها منذ قرون.
التصنيف: