[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]سكينة المشيخص[/COLOR][/ALIGN]

كثيرون منا لم يشعروا بقيمة ابائهم وأمهاتهم إلا بعد أن أصبحوا أباء وأمهات وهذا أمر طبيعي لو استندنا الى أننا لا نشعر بقيمة الأشياء إلا بعد تجربتها، حينها فقط يمكن أن نشعر أكثر وبصورة مباشرة وعميقة بأنه لولا هؤلاء لما كنا على سطح هذا الكوكب مثلا، ولولا وقوفهم معنا لما كنا ناجحين وسعداء.
مدى نجاح الإنسان في حياته يرتبط كثيرا بالرعاية الأولى التي يحصل عليها في الحياة، أتذكر بأني ذات يوم قرأت مقولة جميلة لأحد الكتاب تتحدث عن كون الإنسان يأتي الى هذه الحياة ويتوقف مدى نجاحه على من يستقبلونه فيها، لأنه ربما يكون محاطا بعوامل العطب، ولكن مدى توفر العناصر المضادة هي التي تجعله ناجحا في هذه الحياة، غير أن ستيف جوبز العقل المدبر لشركة أبل العالمية ربما يبدو رجلا محظوظا، فلقد نجح دون توفر هذه العوامل بشكل كاف، فهو ثمرة لعلاقة غير شرعية لمهاجر سوري لأمريكا وهو عبدالفتاح جندلي وفتاة أمريكية عرضته أمه للتبني عندما أصبح بقاءه عبئا عليها.
هكذا أصبح لجوبز أسرة بديلة وشقت والدته ووالده طريقهما في الحياة بعيدا عن ابنهما وأصبح والده البرفيسور عبدالفتاح جندلي الرجل الذي حمل الهم السياسي والذي تظاهر في بيروت من أجل استقلال الجزائر وأسس جمعية (العروة الوثقى) والبروفيسور المتقاعد هو الوالد البيولوجي فقط لجوبز، أما الأب المتبني فهو رجل لم يكن ليكمل تعليمه لكنه ربما كان سببا لما وصل له ستيف في الحياة.
بعد أن كبر ستيف وأصبح من رموز التقنية في الولايات المتحدة الأمريكية عرف والده الحقيقي لكنه رفض أن يلتقي به، واعتقد بأن الرجل كان محقا تماما، وهنا نقف على المفارقة المهمة في الموضوع، عندما صرح عبدالفتاح لأحد الصحف بأنه كان يتمنى أن يتصل بستيف ويلتقي به لكن كبرياؤه السوري كان يمنعه، وذلك بدوره يجعلنا نتوقف عند ازدواجية المواقف ونتساءل عن مكان كبريائه عندما دفع بصغيره لأسرة أخرى تتبناه وتولى هو بناء نفسه في الحياة حتى وصل الى ما وصل اليه من نجاح بنفسه.
خلاصة حالة جوبز أن أسوأ ما في هذه الحياة أن يكون الإنسان بلا هوية، فلو فشل ستيف وواصل حياته كأي (reasonable man) هل كان سيخرج السيد جندلي ويقول أن ذلك العبقري ابنه؟ لا اعتقد ذلك، مشاعر الأمومة والأبوة غير قابلة للمزايدة، ولكني اعتقد بأن الله يبعث الأشياء الجميلة للإنسان ثم إذا لم يجد منه التقدير يأخذها منه ويمنحها آخرين.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *