انظر (للمعارضة ) أيضاً!

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]ثمر المرزوقي[/COLOR][/ALIGN]

يتناقل بعض من الناس مقولة شهيرة تقول \”إذا أردت أن تعرف تقدم أمة انظر إلى فنونها\”. ولكن ماذا عن أمم لا يزال البعض منها ينظر للفنون في أشكاله المتنوعة كالمسارح والسينما والغناء ضرباً من الحرام والرجس؟!، قد تسهل الإجابة هنا على البعض بالقول: إذا هي متخلفة، لكن هذا الجواب لا اعتبره دقيقاً، مما يدعوني إلى البحث عن اتجاه آخر أستطيع منه ولو بشكل بسيط تقدير تقدم هذه الأمم، فكما أرى أن المقصد من القول في محاولة معرفة تقدم الأمم بالنظر لفنونها، يكمن في مدى الدهشة ولمس الجمال الذي تنتجه، والذي لابد له أن يعبر عن وعي متقدم يتجاوز عصره وزمنه بشكل أو بآخر، وجدت أن هذه المقاصد أي \”الدهشة، الجمال، الوعي المتقدم\” لن تكون أكبر في الفن الذي يُمارس في سعة بالغالب، من \”المعارضة\” والاختلاف التي تُمارس في أصعب اللحظات والأوقات والتي هي عرضة في ذلك لمواقف شديدة جداً وحرجة.
إذاً هي \”المعارضة\” بدلاً من \”الفنون\”! التي قد تساعد في تقدير مدى تقدم هذه الأمم وجاهزيتها!، مع ما يجدر التذكير به هنا، لا أرى أن ذلك استبدالاً \”أبديًا\” بقدر ما يكون تعويضًا- استبدالاً مؤقتاً، وفي جانب آخر تعمقًا – توسعًا في المعرفة. ومن أشكال هذه المعارضة التي تجلب الدهشة وتقدم لك الجمال واللذين يعبران عن وعي متقدم على عصره وزمنه، نذكر (العصيان المدني) و(اللاعنف) الذي تصدى للاستعمار والظلم الاجتماعي في الهند، والذي كان رائده المهاتما غاندي، والذي ألهم الملايين من البشر. ومن ذلك أيضًا: دوروثي آيرين هايت، التي قال عنها أوباما قبل وفاتها مؤخرًا: تستحق مقعد شرف في ذاكرة أميركا. دوروثي هايت أشهر الناشطات المدنيات في زمن التمييز العنصري الأميركي ضد الأفريقيين الأميركيين وكذلك النساء، ولا أنسى هنا من كانت تقف معه جنباً لجنب: مارتن لوثر كنغ، الذي لا تزال خطبته \”لدي حلم\” تتردد في أذهان الكثير.
تدهشك مثل هذه الأمثلة من أشكال المعارضة بالجمال، في مدى تجاوزها لأحد أصعب المهام التي يفشل فيها الكثير من المعارضين العرب ودائمًا ما تكون هذه المهمة هي الاختبار الأول والحقيقي لكل من يتقدم للمعارضة منهم ويتصدى للاستعمار والظلم والاستبداد والطغيان وانتهاك حقوق الإنسان- الفرد، وهي مهمة \”الوعي\” الذي يتجاوز ذات الزمن والعصر، الوعي الذي يؤسس لقيم مثل \”الحرية والعدالة والمساواة\” منهجا وممارسة، الممارسة هذه التي تتقدم وتترسخ بعد أن تقوم بتفكيك \”التصورط المهيمن في ذات الزمن والعصر والذي استشرى في الأذهان وطُبع بفعل الاستعمار و الظلم و \”أصنام\” الاستبداد الذين لا يمكن لأي منهم من النفوذ والحكم لعقود طويلة إلا بفعل تجذير طبائعه بأي شكل كان اختيارًا – قسرًا في المجتمع، وبأية طريقة كانت – مباشرة وغير مباشرة – تتمثل في أذرعتها المترهلة والمتنفذة.فالأذهان الخائفة المرتعبة المتوهمة، التي تفترض أشكالاً وتوريات لعلاقات متشنجة منفعلة، وتعيش في حروب ومؤامرات مفترضة، هي لا تعبر إلا عن هذا الذهن الصنمي ذاته، والذي هو أسير لهذا الخوف المتوهم نفسه، كل هذا هو الوعي المهيمن على الأمة، الوعي الذي لا يقف عند حد تشكيل وصناعة نمط العلاقة في ما بين بعضها البعض بكافة أطيافها المختلفة، بل يقوم بتشكيل وصناعة نمط وشكل علاقاتها بالمجتمعات والأمم الأخرى أيضاً، ولا أذكر هنا من القائل: إن الإنسان يتصرف بالشكل الذي نتوخاه منه!. فإن كانت هذه هي النتيجة فيما بين الأطياف المختلفة في الأمة الواحدة بل وحتى في علاقاتها مع المجتمعات والأمم الأخرى، فما هو العنصر المعجزة هنا الذي بإمكانه مساعدة المعارض – في العالم العربي – في أن ينجو من كل ذلك؟!، وهو ليس إلا جزء من الجميع؟!
من هنا تبدأ المهمة الصعبة والشاقة، التي تجاوزتها تلك الأمثلة من أشكال \”المعارضة\” المدهشة بجمالية وعيها كل منها في أمتها، لتؤسس مسارا لقيم جديدة فيه بالممارسة والنضال، النضال الذي قدم اسماءها في تأريخ أمتها التي يعارض \”وعيها\” حينئذ قبل معارضتها، ويقف سداً منيعاً أمام المستعمرين والظالمين والمستبدين وأذرعتهم وضحاياهم غير المأمول منهم أي شيء ولا يمكن لهم أن يصنعوا مستقبلاً. فمن يتعامل مع معارضيه كشياطين، لا يختلف عن معارضيه الذي يتعاملون بذات الشيء مع مخالفيهم، ومن يقصي ويلغي المعارضين – في العالم العربي – ويشوه سمعتهم ويستخدم كل أنواع الأسلحة ضدهم، لا يختلف عن المعارضين العرب الذي يتعاملون بذات الشيء أيضاً مع من يختلفون معهم.
وإن كنت هنا أتفهم هذه الممارسات في إطار الذهنية المهيمنة، إلا أني لا أفهم أبداً هنا \”المعارض\” العربي الذي يقدم نفسه حاملاً لقضية ولمشروع إصلاح، ينتهج بذات المنهج، ويمارس ذات الممارسة، هذا الأخير أي المعارض\”المزعوم\”، الذي يدعي القضية ومشروع الإصلاح، هو أحد الذين علمت عنهم علم اليقين بقوله: هم يكذبون فما الذي يمنعنا من الكذب؟!، هؤلاء \”المستبدون\” المستترون في زي الإصلاح، ليسوا إلا نتاج الذهن المهيمن نفسه، الذين لن يقدموا أي جديد إن لم يكن الأسوأ الذي أرى انه على الإنسان التصدي لهم قبل ان يتصدى لأي أمر آخر، فإن كانوا لا يزالون يتصدرون صفوف أنصار الإصلاح والاستقلال، فالأمة المعنية بذلك لم تحرز اي تقدم فعلي وحقيقي برأيي، والمسؤولية حينها ستكون كبيرة على هؤلاء الأنصار الذين يودون صناعة تأريخ أمتهم والتقدم بها و بـ\”وعيها\” الجديد بمواجهتهم، المواجهة التي ستجلب الدهشة والجمال حينئذ، والتي ستدفع في النهاية بالأمم ومسيرتها جهة المسار الصحيح نحو المستقبل.
تذكر هذا جيداً: غاندي توفي دون مبدئه الذي لم يُعجب جماعته التي ينتمي لها، فلم يغتله \”الخصم\” بل أقرب الناس له، فلو كان من ذات الذهن المهيمن ولو كان مهتمًا بالجمهور ومتحسبًا فوق مبادئه لحسابات واعتبارات فئوية/حزبية/أيديولوجية إلخ …، ما ذكره التأريخ.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *