أحمد محمد باديب

لم أكن مفتوناً بشاعر وأديب وكاتب عظيم كما كنت مفتوناً بالاستاذ العقاد رغم صعوبة اسلوبه في الكتابة لمن لا يعرف الكثير من خلفيات مايقرأ وكان العقاد رجلاً فذا يكتب صلب الموضوع دون أن يجعل قدراته الأدبية تدفع الحقائق في كلمات إنشائية أو محسنات بديعية فهو رجل عدل في كتاباته وفي حياته الشخصية، أما شعره فقد كان غير ذلك فهو يعكس نفسه الرومانسية ومشاعره الرقيقة ولقد اخترت قصيدة للعقاد مما كتبه عن السيدة التي كان لها الأثر الكبير في حياته السيدة مي زيادة، وذلك في حفل تأبينها عام 1941م فيها يقول العقاد:

آه من التراب
أين في المحفل \”مي\” يا صحاب؟
عودتنا ها هنا فصل الخطاب
عرشها المنير مرفوع الجنان
مستجيب حين يدعي مستجاب
أي في المحفل \”مي\” يا صحاب؟
سائلوا النخبة من رهط الندى
أين مي؟ هل علمت أين مي؟
الحديث الحلو واللحن الشجي
والجبين الحر والوجه السني
أين ولى كوكبها؟ أين غاب؟
أسف الفن على تلك الفنون
حصدتها وهي خضراء السنون
كل ماضمته منهن المنون
غصص ماهان منها لا يهون
جراحات ويأس وعذاب
شيم عز رضيات عِذاب
وحجى ينفذ بالرأي الصواب
وذكاء ألمعي كالشهاب
وجمال قدسي لا يعاب
كل هذا في التراب.. آه من التراب
كل هذا خالد في صفحات
عطرات في رباها مثمرات
إن ذوت في الروض أوراق النبات
رفرفت أوراقها مزهرات
وقطفنا من جناها المستطاب
من جناها كل حسن نشتهيه
متعة الألباب والأرواح فيه
سائغ ميز من كل شبيه
لم يزل يحسبه من يجتنيه.. مفرد المنبت معزول السحاب
الأقاليم التي تنميه شتى
كل نبت يانع ينجب نبتا
من لغات طوفت في الأرض حتى
لم تدع في الشرق أو الغرب سمتا
وحواها كأنها اللب العجاب
يا لذات اللب من ثروة خصب
نير يقيس من حس وقلب
بين مرعى من ذوي الألباب رحب
وغني فيه وجود مستحب
كلما جاد ازدهى حسناً وطاب
طلعه الناضر من شعر ونثر
كرحيق النحل في مطلع فجر
قابل النور على شاطئ نهر
فله في العين سحر أي سحر
وصدى في كل نفس وجواب
حي \”ميا\” إن من شيع ميا
منصفاً حيا اللسان العربيا
وجزى حواء حقا سرمديا
وجزى ميا جزاء أريحيا
للذي أسدت إلى أم الكتاب

وكانت قد أخرجت من مستشفى الأمراض العقلية في لبنان بمساعدة \”أنطون\” سعادة رئيس الحزب القومي السوري في ذلك الوقت لتصل الى مصر حيث عاشت أغلب حياتها وحيث كان الأحبة في انتظار عودتها مؤكدين أنها لم تصب بالجنون ولكنها كانت ضحية عفتها ورهبنتها وشعورها بالخوف مما كان العالم فيه إبان الأيام الأولى للحرب العالمية الثانية فماتت في مصر ودفنت في الارض التي أحبتها وأمام الأعين التي دمعت لفراقها، رحم الله أستاذنا الكبير عباس محمود العقاد الذي جسد في قصيدته هذه المحبة بين مسلمي ومسيحي ذلك العصر الجميل من حياة مصر . الكنانة العزيزة.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *