[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد أحمد عسيري[/COLOR][/ALIGN]

بعد نقاش مظلم وأصوات محتدة مج في وجه صاحبه سؤالا جعلني أحشد كل حواسي .. سؤال من نوع أسئلة الحرقة التي تجبرك على فتح فمك لبعض الوقت . هل هناك ما يستحق العيش ؟ .لا أدري لماذا اختار هذا التوقيت تحديدا ليقذف سؤاله ؟ وكأنه كان يشعر أني قد بدأت أضع الجريدة جانبا واسترق السمع له وهو يصفع وجه صاحبه بشكواه . حقيقة لم أجد فرقا بين الإنصات وبين ما كنت أقرأه في صفحات الجريدة .. كلا المكانين مظلم ، الفرق الوحيد أن الألم بين الصفحات ألمٌ صامت يسير بخط مستقيم .. بينما صوته كان يرتفع تارة ويهدأ أخرى كوخز المرض العضال .
خرج وتركني محاطا بسؤال له ألف ذراع ، وليل بدأ يتكون ، وصوت تردده الجدران كصوت الغريق الذي كلما حاول رفع رأسه عادت به موجة لظلمات الهلاك.
خرجت بعده من المقهى المكتظ بأنفاس البشر والسؤال يضرب صدري كفأس في يد حطاب يسابق الفجر . كلما حاولت نفضه ظهر كشبح هزيل في أضواء المحلات ، وزجاج السيارات ، ونشرت الأخبار المتكدسة بالدمار والموت.
كل الطرق كانت تتشابه والمسافات تبدو أبعد حتى رن هاتفي .. كان رقما غريبا ومع أني لا أجيب عادة على هكذا اتصالات إلا أن شيئا ما دفعني للرد .
جاء الصوت مرتعدا هامدا يتلعثم بالكلمات وكأنه مخنوق .. عرفني بنفسه وأخبرني عن سبب اتصاله . مجرد لحظات وكلمات معدودة ، ولكنها لحظات تمددت على صدري كجبل أصم . فتحت نافذة سيارتي وحاولت استنشاق أكبر كم من الهواء الذي بدأ وكأنه بعيد عن رئتي .
لحظات تشبه السقوط من ناطحة سحاب ، أو كالذي يتلقى لكمة خطافية من يد ملاكم عتيد . لم يكن ذلك الخبر غير ترجل صديق عن صهوة هذه الحياة . إنسان من فئة الذين يلتصقون بك حتى لتظن أنه جزء منك .. من أولئك الذين تلتقيهم في يوم حالك فيضيئون لك السبل . تحاول البكاء ولكنك تحتقر كل الدموع أمام هكذا ألم فتفضل الانغماس في صمت ممزوج بين لونين كليهما قاتم . أن يرحل شخص زرعك في منطقة الأحلام البيضاء ليجعل منك شيئا من لا شيء لهو أمر يشبه فقدان الجاذبية .. كاختلاط الماء والزيت . خط فاصل بين التأمل والحقيقة ، بين ذلك السؤال الذي جثم على صدري وبين يقيني بأن هناك حقا ما يستحق الحياة . شعرت أن هناك سؤالا أهم يجب أن يطرح .. ماذا لو اختلفت الأدوار وكنتُ أنا صاحب الاسم المدون في سجلات الرحيل؟
أن تستقبل الفجر وغيرك مدون اسمه في سجلات من خرج من هذه الحياة أمر يستحق العيش . في غمضة عين يتغير كل شيء وتنقلب الأحوال ويبدو كل ما حولك مرتبكا إلا أنت تتنفس بهدوء وتمد يدك وتجتاز الشارع المزدحم بخطوات ثابتة وتستمتع بلون الغروب من نافذة مقهاك المفضل وتنصت لصوت أمك في الهاتف وهي تدعو لك .. كلها أمور تستحق النضال من أجل البقاء كما أراد لك الله .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *