ليلى عناني

كان الجو جميلاً عندما قررت العودة إلى منزلي سيراً على الأقدام تاركة سائق سيارتي ينتظر من سيأتي لنقلها إلى الورشة، لم أرد أن أعود بسيارة أجرة بل فضلت السير رغم بُعد المسافة، وبدأت رحلة العودة وكنت أثناء سيري أتأمل الشوارع الجانبية الرائعة التي بدأتها بتقاطع التحلية مع شارع التخصصي، كان الجو رائعاً رغم سطوع شمس الظهيرة.
غمرت عقلي التساؤلات الكثيرة التي كانت تصحبني في رحلتي الجميلة تلك وكان من أهمها سؤال طالما ألح علي في مواقف كثيرة وكان محور حديث مع كثير من الصديقات، وهو \”هل نحن محرومون من التمتع ببلادنا؟\” قلت: \”نعم نحن محرومون ونحن من حرمنا أنفسنا ولم نتمتع ببلادنا بقدر ما نتمتع بارتياد مراكز التسوق والمطاعم حتى إننا لا نعرف الحي الذي نسكنه كيف هو شكل البيوت والشوارع فيه!\”… نعم نحن محرومون ونغفل عن المتعة الحقيقية التي نعيشها فالكثيرين منا لا يفتأ يتبرم من الحياة في بلادنا ويكيل التهم ليعلقها على أسباب مختلفة هو أهمها، وما أكثر الشماعات التي يعلق عليها الأخطاء.
كان سيري على قدميَّ عائدة للبيت درساً مفيداً لم أتعلمه سنين عمري مجتمعة، كنت لا أعرف من خريطة محيطي غير الطريق لعملي ومراكز التسوق القريبة من الحي الذي أقطنه وبعض مساكن الأقرباء والأصدقاء تاركة سائقي يقلني إليها بمعرفته، وأنا غارقة في أفكار أخرى تشغلني عن التمتع بالتأمل في الطرق ككثيرين مثلي، كم مئات من المرات تجولت في شارع التخصصي جيئة وذهاباً دون أن أحاول ولو من باب حب الاستطلاع أن أتعرف على شوارعه الجانبية وتفرعاتها الجميلة.
لم أشعر بجمال مدينتي التي أقطنها لسنين عديدة ولم أكن أرى الجمال الحقيقي في السير فيها، ولكن في ذلك اليوم سرت في هذا الشارع الطويل رأيت وتأملت واكتشفت محلاته التجارية الرائعة مما أشعرني بسعادة الدنيا كلها لمستها وهي تسير معي رأيت الجمال في كل شيء وكل مكان وقعت عليه عيناي محيت مع خطواتي كل ما كان يعلق بذاكرتي من سلبيات وحرمان من متعة السير بحرية على أرض بلادي الغالية.
وأحسست أن أحياء بلادنا كلها ملكاً لي ولي حق التجول فيها كما أشاء ووقتما أريد وبدون إذن أو تخطيط فهي بلادي الجميلة التي ظلمتها ولم أفيها حقها، اختفيت أنا عنها خلال سنين عمري، قضيت مئات بل آلاف من الدقائق داخل سيارة تقلني حتى لأقرب مكان.
تعلمت الكسل وفقدت كثيراً من متعة متاحة ما منعني عنها كائن أبداً بل نفسي كانت هي المانع وقد يكون ذلك خجلاً مني أن أسير وحيدة ولو في عز النهار وأرتضي بسائق يقود سيارتي ليقلني لأقرب الأماكن إلى سكني، سائق يعرف كل خبايا شوارعنا، اكتشفت متعة السير تحت شمس الظهيرة و الهواء حولي يلفني من كل الاتجاهات تستنشق رئتي نسيمه العليل…نعم هنا في بلادي الغالية استمتعت بالسير فيها لأول مرة من عمري.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *