ليلى عناني

كانت السحب تتهادى في السماء أتت بها الرياح الهادئة تارة والمسرعة تارة أخرى، جاءت لتشاكس أهل الأرض من محبي القمر ولتحجبه عن عشاقه غير مبالية برؤوسهم المتجهة إلى السماء وهم يتأملون لوحات متحركة ريشتها السحب نفسها، فتارة تخبأ القمر وتارة تظهر جزء منه في إطار بديع التشكيل، كان الجو بارداً تلك الليلة والنار تشتعل في الحطب لتشارك القمر في إنارة جزء من المكان ليرى السمار بعضهم. سماء ينيرها ضوء القمر من حين لآخر عندما تبتعد عنه السحب المسافرة لتعطيه فرصة ليطل على محبيه فالجو بهوائه المنعش في ليل مقمرة يدخل السعادة والراحة على قلوبهم.
جلست وحيدة تستند على جذع شجرة باسقة تشارك الصحراء في مساحاتها الشاسعة، تساءلت بصمت: ترى هل تتسع الصحراء رغم كبر مساحاتها لحب يملأ قلبها؟ تعجبت لأفكار تجول بخاطرها وهي تجلس منفردة تتأمل أوراق الشجرة المتشبثة بأفرع تتمايل منتشية برياح المساء وقد توارت بظلام الليل الحالك محتفظة بلونها الأخضر لتظهره عند بزوغ فجر جديد…
كانت أفكارها تحجب الأصوات من حولها فلا تسمع غير بضع ضحكات تصل لأذنيها من حين لآخر لتخترق سمعها وتؤكد أن التفاؤل الذي يملأ حياتها لا ينتزعه صوت مهما علا، فهي تستطيع أن تكون وحيدة مع ذكرياتها الجميلة بكل دقائقها وبدون إزعاج العالم كله..
كانت تبحث عن شيء في داخلها يكمن بين أضلعها التي كانت قضبانه والذي أصبح مؤبداً وأحب سجانته وحارسه الأمين، جال بخاطرها شعر ابن الملوح حين قال:
فوالله لا أدري علام هجرتني ….. وأي أمــــــور فيك يا ليل أركب
أقطع حبل الوصل فالموت دونه ….. وأشرب كـأساً علقمـــاً ليس يشرب
فلو كان لي قلبان عشت بواحد …… وأبقيت قلبـــــاً في هــواك يعذب
ولكن هي لا يهمها الهجر لأنه لم يهجرها بل لا زال يسكن قلبها، والليل يأتي بذكراه فهي دائماً تراه، فحبل الوصل بينهما لم ينقطع، ولم يسقِها العلقم في حياته، تعترف بأن لها قلب كبير يسع الكون ومن فيه، وهذه نقطة اختلافها مع قيس ابن الملوح في شعره ذاك…تذكرت كذلك شعر المتنبي ولكن في مدح القمر حين قال:
كالبدر من حيــث التفت رأيتـــــه …..يهـدي إلى عينيـك نــوراً ثاقباً
كالبحــر يقذف للقريب جـــواهراً…. جوداً ويبعث للبـعيد ســحـائباً
كالشــمس في كبد السماء وضوؤها…. يغشــي البلاد مشـــارقاً ومغارباً
نعم هي تتذكره كالقمر حين يلتفت، وكالبحر حين يلقي بجواهره، وسحائبه وهي للغيث تتجه، وكالشمس حين تغشى البلاد مشارقها ومغاربها. لم تشعر بيد تمتد لتوقظها ظناً من فاعلها بأنها تغط في نوم عميق، لا بل هي في كامل استيقاظها غير أنها كانت تبحر مع القمر عبر السحب زوار المساء في ليل ممتع بنسماته وقمره وزوار المساء \”ذكرياتها\”.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *