كيف يترعرع الفساد؟
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. منصور الحسيني[/COLOR][/ALIGN]
الفساد هو سونامي من فصيلة جافة وكاتمة لصوت الأمواج والأنفاس في حين أنه يسبب سيولاً هادرة للمال العام الذي يقوض التنمية ويحبط الهمم الأمر الذي يجعلك متخلفاً مهما كان حجم ثروتك، الفساد هو السبب الرئيسي والمحرك الأساسي لما حدث ويحدث في العالم العربي، أسسه الفرد ونماه المجتمع وتبنته النخب ووافق عليه المسؤول سواء بعلم أو بجهل، هو من صنيع الناس الذي يرفضوه عندما تصلهم أضراره فيثورون عليه في محاولة لصده وقد يصدونه ويتحطمون معه أو أن يظنون أنهم صدوه وطردوه ويكتشفوا لاحقاً أنهم لم يغيروا سوى أحد الأقنعة التي كانوا يُلبِسُونها للفساد ويستمر حالهم ما لم يتدبروا كلام الله الذي استبدلوه بكلام الناس فغير ما في نفوسهم فتغيرت النعمة إلى نقمة.
التغير من معرفة البيان إلى اتباع البهتان سببه الناس كأفراد أو جماعات، الناس هم من يرشحون ويزكون الرجل غير المناسب، هو من يؤزهم لترشيحه مع علمه اليقين بأنه لا يفقه في تدبيره لكنه يعشق التسلط، الناس يقبلون بأن يكونوا بطانة فاسدة، الفرد غير المؤهل لا يقبل بطانة عارفة لأنها سوف تراجعه وهو لايريد المراجعة، نحن من نضع النظام الذي يسمح للفاسدين مع كمية من المشللولين فكرياً أن يعمروا في مناصب حساسة ومهمة، ننساهم فيها لأننا لا نعتبرها كذلك طالما أنها أقل من مسمى وزير، نحن من نقبل أن نتحزب ضد أحد المميزين ونحطمه بمختلف الطرق لصالح أحد كبار الفاسدين أو لمصالحنا ونحن من نقول لاحقاً لماذا يحدث كل هذا؟
الفساد يصنعه الانحراف في الاعتقاد الديني بأن صلاتك وصومك مع خمس مرات، عمرة وحج كل عام تجعلك بالتأكيد من الذين أنعم الله عليهم طالما أنك لا تشرب الخمر ولا تأكل الخنزير ولا تتعاطى التدخين بأنواعه والباقي تعتبره من اللمم، يتناسى هذا الفرد بتعمد صنعته الأديوليجية المظلمة أفعاله الضارة والتي تصل لكباير ما حرم ربهم عليهم، فتجده يمارس أبشع أساليب التعامل في جميع أموره الحياتية بحيث يحلل الشفاعة التي تأكل مال اليتيم، يستغل معارفه لأكل أموال الناس بباطل هم يصورونه حق طالما استطاعوا إصدار صك بذلك، يشتري ذمم المحتاجين بالمال ويؤكد لنفسه وهو يكذب عليها بأن ما يجنيه هو اجتهاد شخصي مباح حتى وإن تسبب للآخرين بالنياح، نفعل بأنفسنا كل هذا ثم نأتي بخطاب ديني نحارب فيه فساد المسؤولين وكأن المتحدث ومن يؤيده ليسوا مسؤولين كذلك إن لم يكونوا هم الأكبر مسؤولية لأنهم أصحاب الأديولوجية التي تشجع ظهور الممثلين وصناع أقنعة الفاسدين.
محاربة الفساد بأنواعه وليس سرقة المال العام فقط تحتاج إلى قرارات شجاعة وسريعة تدعم بموارد بشرية لديها أدوات رقابية فعالة تقابل بأحكام إجرائية واضحة تطبق في الحال ولا تخضع لمحاكمات بائسة يطول رحاها لأنها تعتبر داعمة للفساد وترعاه وتخفي خيوطه بالوقت لكي ننساه، الفساد يرعاه الفرد عندما يفقد هويته كإنسان فتجده كما يقول المثل المصري \” يقتل القتيل ويمشي في جنازته\”.
عضو الجمعية العالمية لأساتذة إدارة الأعمال – بريطانيا
التصنيف: