تضعيف الغرامة من منظور إسلامي
شهوان بن عبد الرحمن الزهراني
تنص بعض الأنظمة واللوائح على فرض عقوبات مالية على من يقوم بارتكاب مخالفة معينة، بهدف الحد من استمرار تلك المخالفات ولردع من تسول له نفسه مقارفتها، وهذه العقوبة المالية أو ما يسمى بالغرامة نجد أنها عقوبات ورد في مدى جواز مشروعيتها خلاف مشهور بين الفقهاء بل انه لم يصرح أحدٌ منهم بجواز أخذ المال بالكلية بل أن القائلون بالجواز حصروا ذلك في الحالات والمواضع التي ورد فيها نص شرعي وثبت على وجه اليقين. مما يستلزم عدم التوسع في استعمالها لأن ذلك أولى وأحوط لكثرة المحاذير التي تكتنف التطبيق مما يقتضي به الحال أن تقتصر العقوبة المالية على الحالات التي ورد فيها نص شرعي أو إجماع. بيد أن ذلك الخلاف وبيانه واستعراض أدلته والرأي الراجح في ذلك ليس هذا موضعه ولا مجاله.
لقد تحدث كثير من الناس وتضجروا من تضعيف الغرامة التي تسجل على المخالفات في نظام ساهر، ومع أن ضبط السير ومعاقبة المخالفين أمر تفرضه حسن السياسة لتحقيق مصلحة العباد والبلاد للمحافظة على الأرواح والممتلكات وهي مقصدين من مقاصد الشريعة المعلومة من الدين بالضرورة، ولا أحد ينكر ضرورة وضع الضوابط لذلك ومعاقبة المخالف. بيد أن العقوبة المفروضة أساساً على المخالفة كانت كبيرة، ولا تتحملها فاتورة المدفوعات للمواطن ، فالدخل كما هو معلوم ثابت والمصروفات تتكاثر وغلاء الأسعار في تسارع، فضلاً عن أن هذه الغرامات لم يقابلها توعية بوضع لوحات تحذيرية في الأماكن التي يتحدد فيها مقدار سرعة معينة، فقال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ] فبيان الشيء المحظور ينبغي أن يعلمه الإنسان قبل محاسبته ومؤاخذته عليه. هذا من حيث العقوبة الأصلية، أما تضعيفها في حالة التأخر في السداد فإن ذلك أمر محل نظر ويحتاج إلى إعادة النظر والمراجعة الدقيقة من قبل المختصين عن تحديد هذا الأمر وهذا هو موضوع حديثنا في هذا المقال.
لقد حدث أيضاً خلال الأسبوع الماضي وعلى إثر نتائج مباراة في كرة القدم- حصل- بعض التجاوزات من قبل مسؤولي أحد الأندية، وترتب على ذلك صدور قرار من اللجنة المختصة باتحاد كرة القدم السعودي، ينص على إيقاع غرامة على النادي المخالف بلغت أكثر من ثلاثمائة ألف ريال وليس مبلغ الغرامة وحجمها مبعث الاستغراب والدهشة، إنما الذي يبعث على التعجب ويثير التساؤل ما جاء في البند ثالثا من القرار إذ جاء النص:\” يجب تسديد الغرامة المالية خلال30 يوماً من تاريخ تبليغ النادي بقرار اللجنة بناء على المادة (2-32) علما بأن هذه المادة تنص على:\” يجب تسديد قيمة العقوبة المالية خلال30يوماً من تاريخ تبليغ النادي بذلك وتضاعف العقوبة المالية بعد هذه المدة \”
إن تضعيف الغرامة محل استغراب ولست أدري كيف تم إجازته ، وهل هذا الأمر تم دراسته ومناقشته من قبل مجلس الشورى أم لم يتم ذلك؟!. ولا أخال أن ذلك حدث لأن تضعيف الغرامة يحتاج إلى تأصيل شرعي قبل إقراره وتطبيقه, فبالقياس على ذلك لو تأخر نادي معين في سداد مستحقات لاعب أو مدرب أو غيره فهل يجوز لصاحب الحق المطالبة بتضعيف المبلغ نظير تأخير السداد. وقس على ذلك جميع الديون العادية والحقوق الشخصية والإيجارات التي يتأخر المستأجرون في سدادها هل يحق لهم المطالبة بتضعيف المبلغ أو وضع زيادة عليه، جزاء وفاقاً لكونهم تأخروا عن السداد في الموعد المحدد.؟!
إن الجواب بكل تأكيد هو النفي، لأن هذه الزيادة على المبلغ الأساسي هي مقابل الوقت ولا تجوز شرعاً، فإذا كان الأمر كذلك فإن الحال يفرض السؤال الحائر كيف يتم مضاعفة الغرامة في مخالفة نظام ساهر ومخالفات كرة القدم وغيرها من العقوبات ولا يجوز في غيرها. والقول بصحة أحدهما ليس بأولى من القول في الأخرى لعدم وجود المخصص.
إن هذا البلد أفاض الله سبحانه عليه بنعم كثيرة وكبيرة لم يمنحها كثير من البلدان في العالم كله. ووهبها ثروات كبيرة جعلها على رأس الدول غنى وثراء وقدرة مالية ولله الحمد والشكر، فضلاً عن ان خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله يحرص دائماً ويوجه بكل ما فيه تحقيق الرخاء والرفاه للمواطنين، ومن هنا فيجب على هؤلاء المسؤولين الذين يفرضون هذه الغرامات ويضاعفونها أن يقابلوا هذه النعم بالشكر لله سبحانه والنظر بعين الرحمة للمواطنين وليس التشديد عليهم بمثل هذه العقوبات.
اللهم أجعلنا من المهتدين ولا تجعلنا من المعتدين إنك ولي ذلك والقادر عليه.
ص.ب 14873 جدة 21434- فاكس : 6534238
بريد إلكتروني [email protected]
التصنيف: