أيام طه حسين
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد أحمد عسيري[/COLOR][/ALIGN]
هناك أشخاص عندما يغيبهم الموت ينتهي أثرهم ويختفون ولا تبقي منهم الأيام شيئا ، بينما البعض لا تُعرف الأيام إلا بهم ومن بينهم صاحب الأيام عميد الأدب العربي طه حسين . فها السنوات بمرورها تذكرنا برحيله عن عالمنا جسدا ولكنه بقي كالغصن الندي حاضرا من خلال أدبه ومعاركه الثقافية .
قد يتفق معي البعض منكم وقد يختلف البعض الآخر أن طه حسين هو أحد أبرز المجددين من خلال مسيرة النهضة الفكرية المعاصرة في الأدب العربي كأحد أبرز من نادى بالتجديد طويلا ، وأيضا من خلال شغفه بالاطلاع على ما قدمه الآخر من نتاج فكري أدبي لا يتعارض مع مبادئه الثابتة كما حدث في دعوته المحافظة على الهوية الإسلامية والتفكير بالأسلوب الغربي . طه حسين هذه الشخصية المثيرة للجدل أينما حل لم يكن يخطر بباله أن أيامه ستصبح معاركاً وحروبا طاحنة وهو النحيل الضرير الذي وهب حياته للفكر والأدب ولكنه كان أهلا لها باقتدار والدليل أنه ما زال حاضرا من خلال ما يقدمه مثقفونا من نتاج أدبي واسع .
والمتتبع لمسيرة الأديب طه حسين يرحمه الله – ولا أجزم أني منهم – يجد أن من أهم معاركه التي تبناها هي تلك التي كانت تمس الجانب الإنساني و الاجتماعي كما اتضح من خلال مؤلفه ( المعذبون في الأرض ) مما دعا البعض من هواة التصنيف والرفض لمبدأ الرأي الآخر أن يصفوه بألقاب لا تصلح بطبيعة الحال أن تكون لرجل بحجم عميد الأدب .
إن من أبرز ما كان يميز صاحب الأيام أنه لم يكن منساقا خلف تيار المراوحة الأدبية .. بمعنى أنه لم يتخذ من فكر أسلافه طريقا يمضي فيه دون تجديد وتحديث بل كان شغوفا بالتبسيط اللغوي مع المحافظة على المفردات والقواعد .
هذا الكفيف الذي اقتحم أشهر جامعات العالم ليخرج منها مكللاً بأرقى الدرجات العلمية لم تسرقه الأضواء من همه الثقافي الذي جعله مفتاحا للكثير من التحديات في حياته .. يقول عنه عباس العقاد : إنه رجل جريء العقل مفطور على المناجزة، والتحدي فاستطاع بذلك نقل الحراك الثقافي بين القديم والحديث من دائرته الضيقة التي كان عليها إلى مستوى أوسع وأرحب بكثير.
يبدو أن أول تحدي صادف الفتى الكفيف هو تحدي الحياة والظلمة التي كانت تحيط به ولن يغيب عن بالي وهو يحكي في كتابه البديع ( الأيام ) معاناته مع اللقمة ولحظة اكتشافه لعجزه وإنه لا يبصر يقول في الأيام : ( فماذا لو أخذ اللقمة بكلتا يديه ؟ وإذن فليأخذها بكلتا يديه ، فأما إخوته فقد غرقوا في الضحك ، وأما أمه فقد أجهشت في البكاء ، وأما أبوه فقد قال بصوت هادئ حزين : ما هكذا تؤخذ اللقمة يا بني ، وأما هو فلم يدر كيف قضى ليلته .. (
وحتى لا يؤخذ علي الوقوف مع طه حسين في كل ما دعا له ، أو أني أروج له برغم بعض ما أخذ عليه فإني أضع نفسي هنا في موقف الوسط المحايد لأقول وبكل تجرد أن الأديب مثله مثل بقية البشر الذين يخطئون ويصيبون ، ولكن ما قدمه صاحب الأيام كفيل بمسح كل الشوائب التي قد تعكر حديثي في ذكرى وفاته .
وقبل أن يطوف بي طائف الذكريات مع عميد الأدب وأخرج من أيامه أعترف أني تعمدت ألا أذكر قضيته الأدبية في كتابه عن الشعر الجاهلي لأنه أشبع طرحا ونقدا والحكم في الأخير للمتلقي الذي يستطيع القبول والرفض دون ضغوط خارجية . رحم الله الأديب والمفكر طه حسين .
التصنيف: