شيدْنا العمارات و أهملْنا التقاليد والعادات

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]إبراهيم مصطفى شلبي[/COLOR][/ALIGN]

كلما زرت صديقاً أو زارني للمعايدة لا يكون الحديث بيننا إلا عن ما آلت إليه أوضاعنا الاجتماعية
و خصوصاً التكاسل في صلة الأرحام التي أوصى الله سبحانه و تعالى بوصلها و إذا عدنا بشريط الذكريات إلى الوراء إلى عهد الآباء والأجداد وفي الحارات والأزقة والبيوت الضيقة التي كنا نعيش فيها بقلوب و صدور واسعة وبرغم قلة الامكانيات و الموارد إلا أن الزوار لا تنقطع أرجلهم عن بيوتنا و حاراتنا و خصوصاً خلال المواسم والأعياد في يوم الجمعة و قد كانت هذه الطقوس من أهم الواجبات الاجتماعية التي يحرص الجميع على ممارستها وحثوا أبناءهم عليها ويكون الكبير والمريض والمسافر هم الأحق بالزيارة .أما في الوقت الحاضر فانظر إلى التحول الذي طرأ على أخلاقياتنا و سلوكنا قصور فخمة و عمارات شاهقة و فلل أنيقة مقفلة أو مهجورة وليس لدى قاطنيها الاستعداد لاستقبال الزوار والمهنئين والمباركين بالعيد السعيد حتى أصبحت الأحياء الجديدة يلفها صمت القبور فمع تنافر التركيبة الديموغرافية للسكان ضاعت عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا ذلك التراث الذي كان يحافظ عليه الأباء و الأجداد حفاظهم على أبنائهم فرطنا فيه نحن و نثرناه هباءً ليذهب أدراج الرياح و لا نعلم ماهي المسببات ؟ .هل هو قصور في تفكيرنا أم اهمال و تكاسل منا ؟ وهذا السؤال هو الأقرب للحقيقة لأننا أصبحنا نجري ونلهث خلف كل ما هو حديث دون أن نفكر في سلبياته وأضراره قبل ايجابياته فنحن تماماً كالثعلب الذي حاول تقليد مشية الطاؤوس فلا هو بالذي استطاع أن يقلد مشيته و لا أن يعود إلى مشيته الأصلية أضاع بين الاثنتين و فقد توازنه و مع هذا فنحن ندعي جزافاً أننا نعيش عصر الحضارة والتحضر و من التخلف أن نعود للماضي.
إن هذا الادعاء مردود على أصحابه لأن علماء الاجتماع صنفوا الحضارة على أنها تنقسم إلى شقين متلازمين لا ينفصل بعضهما عن الآخر فإذا طغى أحدهما عن الآخر فإن هذا سيصيبنا بالخلل الاجتماعي وفقدان التوازن.
الجزء الأول: وهو الحضارة المادية من تطور عمراني و ما يلزمه من كماليات كالطرق و الجسور والاتصالات و المواصلات و أماكن الترفيه و خلافها.
الجزء الثاني : وهو الحضارة المعنوية وهي كل ما اكتسبه الإنسان من عادات وتقاليد وموروثات أدبية وسلوكية في المأكل والمشرب والملبس و الواجبات الاجتماعية المختلفة والتي تنضوي كلها تحت مظلة (الموروث الشعبي ) و هذا الجزء هو الذي فرطنا فيه تماماً على حساب الجزء الأول أي الحضارة المادية
إن على الهيئات الرسمية و الشعبية مسؤولية تنمية هذا الجانب الثقافي و إعادة تفعيله من جديد حتى يتم التوازن بين حضارتنا المادية والثقافية .إن على أمانة محافظة جدة مسؤولية إعادة الروح لهذه التقاليد والعادات بمجموعة من البرامج و الخطوات الإيجابية النشطة .و نحن نتفاءل كثيراً بمعالي المحافظ الجديد دكتور هاني أبو راس فهو من جيل ( التكنو قراط ) الذي يعي جيداً هذا الدور و العبء الذي يجب أن تتحمله الأمانة من أجل أن تكون جدة مدينة للثقافة والآداب والتراث النادر و لقد حظيت محافظة جدة بمنطقة تاريخية فريدة من نوعها قد يحسدنا عليها الكثيرون ويزورها الكثيرون من السياح الأجانب ولكنها للأسف تظل ( حجراً بلا بشر ) لأنها تفتقد إلى الحراك الثقافي و التفاعل الاجتماعي و قد قدم كاتب هذه السطور اقتراحاً متواضعاً في أحد الاجتماعات إلى سعادة مدير تطوير المنطقة التاريخية السابق الدكتور عدنان عدس بتخصيص مقر للتفاعل الثقافي في هذه المنطقة بين أبناء جدة شيوخاً وشباباً تحت اشراف الأمانة ووزارة الثقافة والاعلام و تمت الموافقة بعد إجراء التحسينات و الترميمات اللازمة والتي كلفت عدة ملايين كما تم افتتاحه رسمياً في عهد معالي أمين جدة السابق المهندس عادل فقيه و تمت فيه بعض الفعاليات الثقافية بمحاضرة ألقاها الدكتور عدنان أديب الأعمى من منسوبي الأمانة ولكن حدث مالم يكن في الحسبان وبعد التغييرات الإدارية بين الأقسام في الأمانة جاء رئيس بلدية المنطقة التاريخية الجديد و نسف كل أحلام أبناء جدة و أغلق هذا المقر بل و حوله إلى مستودع لمخلفات الأمانة من أخشاب وطوب واسمنت فهل هذه المخلفات هي أغلى من إنسان جدة في نظر الأمانة ؟سؤال أوجهه مع التحية لمعالي أمين جدة الدكتور هاني أبو راس والله من وراء القصد .
وقفة :
من أجمل ماسمعت من الفنان علي بن محمد من كلمات الشاعر الشعبي عبدالله أبو راس
الله على اهل اول ياشين فرقاهم
ليت الزمن طول ليت ولحقناهم
كان العيد يجيك بعياله
واليوم صار العيد يادوبها رساله
كل شي كان اصدق كل شي كان اجمل
الله على اهل اول

ياللي اعزك عز ماينفع \”اس ام اس\”
عام وعلينا يعود ولا احد يسأل
الله على اهل اول
كم من عزيز غاب وفارق الأحباب
هذا يخلينا عن بعضنا نسأل
الله على اهل اول
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *