هل كان القرار لصالح إيران؟

Avatar

د. محمود محمد بترجي

منذ أسابيع مضت صدر قرار مجلس الأمن رقم 1929 والذي يحمل الدفعة الرابعة من العقوبات على إيران، ويتضمن القرار الجديد فرض إجراءات جديدة ضد بنوك في إيران يشتبه صلتها بالبرنامج النووي مع إستمرار حظر التعامل مع أي بنك إيراني بما فيها البنك المركزي، كما ينص على إستمرار حظر بيع الأسلحة إلى إيران، ومنعها من القيام بالتنقيب عن اليورانيوم في الخارج.
اخطر مافي القرار من وجهة نظري هو الفقرة الخاصة بتفتيش السفن القادمة أو الخارجة من إيران – فكل ما سبق ليس جديداً ولايعد هاجساً للقيادة الإيرانية – لا شك أن القرار اغضب الكثيرين خصوصا وأنه بحق دولة مسلمة، جارة وصديقة تربطنا بها علاقات طيبة وحميمة تسودها المحبة والإحترام وعدم تدخل أي طرف في شؤون الآخر، صحيح أن الكل يجمع على الحد من إنتشار السلاح النووي في كل بقاع العالم وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، إلا أننا مع حق إمتلاكه لأي دولة في منطقتنا طالما أن إسرائيل تمتلكه وترفض توقيع أي معاهدة بهذا الخصوص.
ماذا سيفعل الإيرانيون حكومة وشعبا؟ هل سيستسلمون للقرار؟ وهذا يعني أنهم سيموتون جوعا بسبب نقص الغذاء ومرضا بسبب نقص الدواء كما حصل في العراق أبان فترة الرئيس الراحل صدام حسين، هل سيتحرك الإيرانيون بإتجاه التصعيد، بمعنى آخر هل ستقوم إيران بتفتيش السفن الغربية رداً على تفتيش سفنها خصوصا وأن الإيراني عنيد بطبعه ولا يقبل الإهانة؟ وذلك قد لايسوغ لإسرائيل وحلفاءها فتقوم بقصف البحرية الإيرانية فترد إيران بالمقابل بقفل مضيق \”هرمز\” عن طريق ضرب أو تعطيل سفينة أو أكثر لمنع ناقلات النفط من الوصول إلى خارج الخليج، مما قد يشكل تهديدا مباشرا للإقتصاد العالمي، فتقوم بوارج وطائرات القوى الإستعمارية وإسرائيل بإستهداف مواقع عسكرية في إيران كنوع من الضغط عليها للتخلي عن سياساتها، فتقابل إيران ذلك بعمليات إنتقامية ضد جيوش القوات الأجنبية في العراق مما يزيد الأمر تعقيداً، تكثف القوى الباغية من عملياتها فتستهدف البنى التحتية وبعض المنشآت الحيوية، ولا مناص لإيران حينها من ضرب بعض آبار النفط في الخليج كخطوة من إستراتيجية الهروب إلى الأمام، تشن القوات المعادية هجوم عشوائي وحشي على أهداف مدنية وعسكرية في مناطق مختلفة من إيران، تطلق إيران الصواريخ البالستية بعيدة المدى على إسرائيل، تشتعل المنطقة ودول العالم تتدخل، شجب وإستنكار، مظاهرات وهتافات، الويل لإسرائيل، قطع العلاقات الدبلوماسية، حماس وحزب الله يضربان بالصواريخ، سوريا تزحف بإتجاه هضبة الجولان، دول الخليج تقدم الدعم المادي واللوجستي، الأردن ومصر وتركيا تدخل بجيوشها الحرب، ليبيا وتونس والجزائر تحرك أساطيلها نحو الشواطئ الفلسطينية، المغرب تغلق مضيق \”جبل طارق\” أمام الأساطيل الأجنبية، اليمن والسودان وجيبوتي والصومال تحكم السيطرة على مضيق \”باب المندب\”، إسرائيل تستغيث، محاولات أمريكية فاشلة لوقف القتال، مجلس الأمن يطالب الجميع بضبط النفس، هجرة عكسية متزايدة للمستوطنين، عودة اللاجئيين الفلسطينين، زوال الكيان الإسرائيلي.
أعلم أنه سيناريو خيالي وأقل ماسوف تقوله أيها القارئ العزيز أن ذلك هسترة جنون أماني أو أحلام اليقظة، كل هذا وأكثر ولاألومك في ذلك، لكن ذلك قد أعطاني فرصة لأفكر في القرار من زاوية أخرى قد تكون بها قدر كبير من التفاؤل بخلاف النظرة التشاؤمية التقليدية، فلربما وأن ذلك القرار قد يكون لصالح المنطقة بشكل عام، وإيران بشكل خاص، فإسرائيل ومنذ فترة تخطط لضرب إيران وكأنها ستكون بمنحى عن العواقب، والولايات المتحدة ومنذ فترة تحذرها من القيام بأي عمل من شأنه أن يخلق فوضى في المنطقة يستدعي تدخلها وهي لم تنتهي بعد من مستنقعي أفغانستان والعراق وغيرهما، الإدارة الأمريكية لا تريد التورط من جديد في مستنقع قد يكون الأسوأ في تاريخها، فإيران ليست العراق أو أفغانستان، لذلك فإن من شأن ذلك القرار أن يريح إسرائيل نفسيا ويلجمها ويضعها في مواجهة مع المجتمع الدولي إن هي أقدمت على إرتكاب أية حماقة وفي نفس الوقت يعتبر القرار بمثابة حفظ ماء الوجه لأمريكا بعد التهديدات التي وعدت بها.
اعتقد أن القرار بهذا الشكل به مصلحة لجميع الأطراف، وهو ليس بذلك السوء على إيران خصوصا إن لم يُفَعٌل، فحدود إيران البرية مفتوحة مع عدة دول وتسيطرعليها بشكل كامل ويمكن أن تستغني بها عن البحر وتدخل ماتشاء دون تفتيش، إن ذلك القرار هو بمثابة إستراحة المحارب لإيران قد يترك لها فرصة لتعيد ترتيب أوراقها وحساباتها وتوازناتها وحلفائها ليستفيق العالم من غفلته وفي خلال مدة وجيزة بإيران النووية التي من شأنها أن تعيد التوازن مع اسرائيل في المنطقة.
فاكس 6602228 02

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *