لعشاق (عَوَجْ الدَرِبْ)

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]يوسف اليوسف [/COLOR][/ALIGN]

كثيراً ما نسمع ونرى أعمالاً كبيرة ونافعة للإنسان وعموم البشرية ، ولا نعرف أصحابها أو القائمين عليها توخياً لجزيل الأجر والثواب واحتسابهم إياها (خبيئة ) مخبئة عند الله تعالى لينميها وليجزيهم عنها بأفضل الجزاء وتختلف الخبيئة وأعمال الخير باختلاف مناطق وحاجات الناس فمنهم من يكفل يتيماً أو أرملة أو ينشأ دوراً للمساكين أو يحفر بئراً ، أو يتخذ عند الفقراء أيادي …الخ من أبواب البر التي تغيث الملهوف وتطعم البائس الفقير.
وفي هذا المجال أحببت أن أستعير انتباه القارئ الكريم إلى زاوية ربما لم يسمع عنها عسى أن تكون إضافة لثقافته ومختزناً في ذاكرته المضيئة،لتعكس له عن مدى حرص الآباء والأجداد على مثل تلك الأعمال النافعة وعلو همهم ، كما هو الحال هنا في بلاد الحرمين الشريفين وأهلها الكرام الذين عرفوا بسبقهم في الخيرات وحسن مكارمهم ونبل أخلاقهم .
ولــ(عوج الدرب) في حياة آبائنا في السودان قصة ومعايشة يشتاقون إليها ، ولذلك فهم يقبلون على ذلك العمل دون أن يعرف الناس من هم أصحاب فعلهم أو فِعالهم الحسنة فقد ظلت الطرق البرية لسنين عديدة خلت عبر التاريخ (خلافاً لواقع الحال اليوم والحمد لله) غير ممهدة ووعرة .. وكانت أودية ورمال يضيع ويتيه فيها العديد من المسافرين وتوحل فيها إطارات اللواري والشاحنات .. وكثيراً ما تضل عن جادة الطريق المؤدي إلى المدينة (المقصد/الوجهة ) في ذلك الفضاء الواسع فيموت الناس وتجدهم يحفرون قبورهم بأنفسهم ويرقدون فيها ليسلموا أرواحهم إلى الله تعالى جراء نفاد الماء والزاد ووقود السيارة .. رحمهم الله جميعاً .. فما كان هناك من وسيلة اتصال أو جوالات .. فصار المسافر يسلك حذراً بدابته أو بسيارته طريقاً واحداً أثره يدل على المسير فيه من قبل المسافرين قبله .. فلا ينزاح عنه أو يقتفي أثراً غيره خوفاً من الضياع في تلك الأودية والقفار .
لذلك لجأ أهل الخير ومحبوه في عمل تحويلات على الطرق البرية وغير الممهدة والتي اعتاد أن يسلكها المسافرون فعملوا تحويلات (إجبارية) ليضطر جميع المسافرين بسياراتهم ودوابهم إلى الانعطاف مع (التحويلة) وعندها يجدون استراحة ومتكأً ومكاناً للوضوء والصلاة فيه ( أزيار من الفخار بها ماء يشربون ويسقون دوابهم).. وهو مكان شبيه بالاستراحات الحالية على الطرق السريعة بالمملكة .. لكنها منعطفة وبعيدة قليلاً عن الطرق غير الممهدة أصلاً خصصها أهل الخير للوضوء والصلاة وسقيا الماء مجاناً .. فيجتمعون ويؤدون الصلاة في جماعات ويرشدون بعضهم على أحوال الطريق وإذا سأل سائل لمن من أهل الخير هذا المكان أجابوه ( لعوج الدرب) وصارت على مدى الأيام والسنين منارات للمسافرين يتقابلون عندها ويستظلون بظلها ليواصلوا بعدها أسفارهم .
بارك الله في تلك الصفوة والنفوس الكريمة التواقة المشرئبة إلى علياء الفردوس الأعلى بمثل هذه الأعمال وغيرها من المكارم .. ولا زال بيننا من ينادون ويلقبون (بعوج الدرب) و هناك الكثيرون من أهل هذه البلاد الخيرة أراهم يسهمون وينشئون مساجدً (لعوج الدرب) في بلاد شتى من العالم ليذكر فيها اسم الله وينادى فيها للصلاة ويفطر الصائمون والمسافرون عندها .. فهنيئا لهم بالأجر والثواب في يوم الحر والأهوال .. ويا سُعدى لهم بحسن المنازل في الجنة إن شاء الله جزاء على حسن إخلاصهم وإنفاقهم على (عوج الدرب) في الحياة الدنيا،ولبذلهم الظل والماء والمسجد للمسافر.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *