الخروج من عباءة الورق
عبد العزيز أحمد حلا
مفهوم الصحافة من المبتدأ كان يعتمد على الأشخاص فالإنسان فيها هو الشطر والمشطور ومن أراد التوسع فى نطاق المعلومات المحيطة بذلك عليه أن يتتبع جميع السلوك الانسانى حتى يكون واقعيا فى الطرح، ومن البديهي فى هذه الأزمان أن الخيال المبتكر أو المنقول أصبح لا يختلف كثيرا عن الوقائع ولا كيف فى هذا لأنه أصبح معلومًا لدى جميع الدوائر ولقد سلطنا مثل هذا المنهج فى مواضيع سابقه وجاءتنا ردود الأفعال متغايرة ولا غرو فى هذا لكن الشذوذ الفكري هو الكارثة وبالذات إن تسلل للصحافة من اى باب كان، ولقد قلت قديما كما قال غيري أن يكون داء من يجنح لمثل هذه التطورات – المحاربة الصامتة – ولولا ذلك لكان العالم متعالقًا مع بعضه ومع هذا الحذر هناك ذؤابات لا تزال أبوابها مشرعة للداخل والخارج وليس هنا مكمن الخطر فحسب بل التوسع فى هذا الميدان جاء من الأبواب الرسمية وكأن الأمر لا يعنى من أطلقها وهو يتفرج عليها.
وعندما جاؤا بطلقات نارية ليغيروا المنهج الصحافي الذى تعود عليه العامة كان ذلك من باب الضروريات أو الوسائل الأساسية التى ترتكز عليها مواد الصحافة قبل الانتشار الجديد، فمثلا زعموا أن الورق الذى به المواد الإخبارية يحتوى على ذرات مرضية تطير فور التصفح على العيون والأنوف فتعمي العيون وتزكم الأنوف وأعطوا مساحة زمنية لمن يستفسر، وفى نفس الوقت يتعجب من هذه العدوى التى تزامنت مع انتشار التكنولوجيا الأرضية والفضائية بأن الضرر للمستخدم الورقي فجأة بل ومتلاحق على فترات تتحكم فى طول الزمن وعرضه ثم جاؤوا بالبند الذى يقصم الظهر وهو الأمر الاقتصادي الذى شغل الأمة المتحضرة التى كلما زادت فى حضارتها أدى ذلك إلى تآكل اقتصادها وما إلى ذلك من أمور استطاعوا بها صرف الأنظار المهولة إلى عجين التكنولوجيا الذى إلى الآن لم يتخلل إلى مناشط معينه.
وأول مظهر فى خيوط الذيل الاقتصادي المحيط بالصحافة التكنولوجية سحب المال عن طريق البطاقات ثم تعاقب الأجهزة واحدا تلو الآخر حتى أصبح الخبر الصحافي رهين الدفع المدروس حسب مراحل مقننة ليظهر الهدف الحقيقي من هذه الثورة على المعلومات لتسير وفق مسارها الحديث اى لاصوت يعلو صوت الربح حتى فى الأمور التى تخدم امن البشرية والأمن المعنى به هنا يتطرق إلى جميع الأصوات التى تنادى بحفظ حقوق الإنسان بمفهوميه المنتديات الورقية وان كنا لا نضارب التوجه الجديد من حيث هو بل نرغب فى مكنونات الفوائد فيه لأن الماضي كان مستورا والباحث عن المفيد فيه يتمتع بالهدوء أما من ينزعون المعلومات هنا فهم فى صخب شديد وان ادعوا العقلانية والهدوء وليتك تشارك فى حوار يناقش قضية ما فستخرج معصوب العينين ملجم اللسان من هول ما ترى ومن فظاعة ما تسمع. سباب ولعن وحتى طرد فأين حرية الرأي التى يتزايدون عليها والتى يدعون بها أهل التكنولوجيا الحديثة وخاصة ما يصدر من تلك الفضائيات الوقحة.
نحن عندما نتطرق لمثل تلك الأمور لا نهدف بأي حال أن الماضي يفوق الحاضر بل نفرق بين المعطيات فى كلا العصرين لأن الصحة فى السلوك تنصح المريد فى التطور أن يأخذ ما ينفع ويدع ما لا ينفع فالعصر هو العصر ووجه الخلاف كما قلنا يكمن فى المعطيات من هنا كان لزاما على من يمثلون تلك المعطيات فى أممهم أن تكون تجاربهم وخاصة تلك المستمدة من الماضي أو الأمم الأخرى ذات نكهة تخلدهم بسير عطرة ويجوز لنا ونحن نعيش تلك المعطيات فى هذا الزخم المتلون أن نذكر الماضي بدون إغراق رغم مرارته بالأفضلية مئات المرات وان جاءت السرعة فيه على جناح الطائر الميمون وقد يكون ذاك سببا رئيسا فى فرقة المجتمعات وظهور شذوذ الأعمال وعلى رأسها الإرهاب لأن اكبر نعمة فقدها المجتمع فى هذا هو التفكك الأسرى فالرابط آنذاك كان حاميا بعد الله ومشاهد تمر عبر مخيلتي وأنا طفل لا ينسى الأحداث الخاطفة فكنت أرى الكبير فى عائلتنا يأمر الصغير فيسمع ويطيع وان الأولاد الذكور عندما يكبرون ويتزوجون لا ينفصلون عن والدهم الآمر الناهي فى الدقيقة قبل الكبيرة ومن يجنح عن هذا السلوك يكون مضغة على لسان الجميع فكان هذا الحكم الفردي مسيطرا على المجتمع بكامله فهذه هي التقدمية النابعة من الوحدة الواحدة التى قهرت التشتت الذى يغذيه الخلاف بجدارة.
المدينة المنورة: ص.ب 2949
التصنيف: