أ.د. محمود نديم نحاس

بعد صلاة الفجر قلت لزوجتي: أشعر بالشبع ولن أتناول طعام الإفطار معكم هذا الصباح. دعيني أقرأ بريدي الإلكتروني، وعندما يصبح الأولاد جاهزين فناديني لأوصلهم إلى المدرسة وأنطلق إلى العمل.
على غير العادة عند العمل على الحاسوب، جلست على الأريكة المريحة وما إن فتحت البريد الإلكتروني حتى وجدت رسالة من شخص غريب. كدت أحذفها كعادتي مع الرسائل غير المرغوبة التي أصبح عددها أكثر من الرسائل المفيدة بأضعاف. ولا أدري ما الذي دفعني لقراءتها، فإذا هي مكتوبة بإنجليزية مكسّرة تطلب مني قبول صاحبها للانضمام إلى أصدقائي على المسنجر حيث يريدني لأمر مهم. انتقلت إلى المسنجر ووافقت على اسمه، فجاءتني رسالة فورية منه بأنه وكيل وزير التعليم العالي في دولة الإمبراطور المشهورة.
أخبرني أن وزارته تستقطب العلماء للعمل في جامعات بلده، وقد سألوا جوجل عني فدلهم على طريقتي المبتكرة في التعليم الجامعي، كما دلهم على بحوثي في مجال النانو وابتكاراتي في خدمة المدينتين المقدستين مكة والمدينة المنورة. وعرض علي زيارة بلده لطرح أبحاثي على نخب من الأساتذة والباحثين لعلها تجد طريقها للتطبيق العملي، لاسيما وأنهم يحبون مفاجأة العالم بالأفكار الإبداعية. وتابع: سنعطيك عرضاً مغرياً للعمل لا يرفضه عاقل!
إنجليزيته المكسّرة، ومقالب الإنترنت، جعلتني أتهيب من التعامل معه، فكانت إجاباتي مقتضبة. فشعر بموقفي منه، وطلب مني تشغيل الكاميرا لتكون المناقشة بالصوت والصورة. فاعتذرت دون أن أقول له إني مازلت بلباس النوم، فشغَّلها من جهته، فإذا بي أراه في مكتب رسمي متواضع وفوق رأسه صورة الإمبراطور. وراح يسرد علي عرض العمل الذي قدمته وزارته لأمثالي، والمزايا التي نالوها، مكرراً قوله: نحن نقدِّر الخبرات ونكافئ عليها. وأضاف: تأكد بأنك ستكون من القلائل في العالم الذين سيقابلون الإمبراطور. فَسَرَتْ في جسمي قشعريرة، لم أدرِ أهي من فرحي بلقائه أم من هيبة ذلك الموقف، ورحت أتخيل ماذا سيقول لي وبماذا سأجيبه. إنها فعلاً فرصة لا يجب أن أضيعها!
في تلك اللحظة سمعتُ زوجتي تناديني بأن الأولاد عند الباب جاهزون. فقلت لها: لكني مشغول بمحادثة مهمة ولا بأس إن تأخروا هذا اليوم. ولمعرفتها باحترامي للوقت، فقد ذهبتْ بها الظنون كل مذهب، فأقبلتْ وقالت: أي محادثة هذه؟ فقلت لها: معي على المسنجر وكيل وزير فلا تفضحيني. فمدت يدها إلى وجهي ومسحته ثم قالت: قم من نومك، فليس أمامك حاسوب!
انتبهت فقمت ولبست وخرجت من البيت ومازلت أرى الحلم حقيقة. ولما عدت لصوابي سألت نفسي: لماذا سرت بجسمي قشعريرة؟. فذاك إذاً هو الموقف الذي يجب أن أستعد له، فأسأل الله حسن الخاتمة.
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *