الصحافة «إصلاح وتهذيب، ونصب»

Avatar

علي خالد الغامدي

* في كواليس صاحبة الجلالة هناك دائماً مواقف طريفة، ومواقف مُريبة لا يُسمح بكشفها إلاّ لمن كان قريباً منها، عارفاً بملابساتها، مطلعاً على خلفياتها حتى يكون أميناً عند روايتها، صادقاً عند عرضها.
ويروى عن كامل الشناوي \”أنه كان شديد القرب\” من مندوب صحفي يعمل لديه يحضر له الأخبار \”البايتة\” التي ينقلها بالمسطرة من الصحف الأخرى، ولا يحضر أخبارًا جديدة فقرر أن يلقنه درساً لعله يفيده في مستقبله الصحفي – فيما بعد – فطلبه في مكتبه، وقال له إن الأديب الروسي الشهير تولستوي وصل إلى القاهرة على رأس وفد رسمي لإجراء مباحثات سياسية، وعسكرية، وأبلغه بأن يجري معه حديثاً صحفيّاً تنفرد به صحيفة الجمهورية \”وكان ذلك في الستينيات\” فانطلق الصحفي إلى مبنى الخارجية ولكنه – صدم – عندما عرف أن مكتب الاستعلامات ليست لديه معلومة عن هذا الوفد، فاعتقد أن مندوب الأهرام، أو مندوب الأخبار قد سبقاه، وأن المعلومة التي قيلت له غير صحيحة، وهدفها أن تنفرد الأهرام، أو الأخبار بهذا الحدث، فاتجه فوراً إلى كبير أمناء القصر الجمهوري، وسأل عن \”الأديب تولستوي صاحب الحب والسلام\” وانه جاهز لإجراء لقاء صحفي معه، أدرك كبير الأمناء جهل الصحفي، وأراد من باب توسيع قاعدة الضحك عليه أن يجمع بقية الموظفين ثم صحح المعلومة الأولى بأن تولستوي هو صاحب \”الحرب والسلام\” وأنه مات، وشبع موت، وعليه مراجعة من أوقعه في هذه الورطة..!
وقد تميزت صحافتنا في فترة الطفرة، وما بعدها بنشر \”الأخبار البايتة\” والمكررة، والمعادة، والمملة أيضاً، وأصبحت – هذه الأخبار – رمزاً لتطورها، وتضاعف عدد صفحاتها، وارتفاع عدد محرريها فلم يعد لكثير من هذه الأخبار طعم، أو معنى، أو فائدة \”إلا أنها تملأ صفحات الجريدة وتغطي مساحاتها البيضاء\” حتى أصبح لدى صحافتنا – المتطورة – ثلاث مدارس للأخبار البايتة: مدرسة تعيد ما نشرته على مدار العام، ومدرسة تنشر ما نشرته صحف أخرى، ومدرسة تعتمد في كل ما تنشره على مصادر الفاكسات، والعلاقات تنشرها بكل أمانة دون أن يكون لمحرريها أي دور، ودون أن يكون لجهاز المراجعة أي جهد..
وأخبار الفاكسات، وإدارات العلاقات انها من النوع الذي لا يضر، ولا ينفع، وهناك من يرتاح لهذا النوع من الأخبار سواء كانت \”بايتة، أو مكررة، أو معادة، أو مملة\” وصحافتنا حافلة بهذه النوعية، بل إنها صارت عنواناً، ولا نريد أن نقول شعاراً لها..؟
أضافت صحافتنا \”رغم كل ما يقال عن نهضتها، وتطورها\” أنها \”صحافة بايتة\” بكل معنى الكلمة فأنت تذهب في الصباح وتجدها أمامك، وتذهب عند الظهر وبعد العصر، وبعد المغرب، وبعد العشاء، وتجدها أمامك، وتذهب بعد منتصف الليل وتجدها أمامك، وهي بذلك تكون \”صحافة بايتة\” فأي تطور لحق بها، ولحقت به، او وصلت إليه، أو وصل اليها..؟
وعن \”الأخبار البايتة\” و \”الصحافة البايتة\” كتبت مرتين، ومر ما كتبته بهدوء شديد على المسؤولين عن صحفنا \”إدارة ، وتحريراً\” جعلني أحسد هؤلاء المسؤولين على \”أعصابهم الباردة\” .. ولما سألت، واستفسرت، واستقصيت عرفت أن الإدارة تضع المسؤولية على التحرير، وأن التحرير يضع المسؤولية على الإدارة، وأن الإعلانات تخمد \”شرار الحرب\” بين الطرفين ..!
شهدت – وأنا مسؤول في جهاز التحرير – حرباً ضروساً بين مدير الإدارة، ورئيس التحرير \”حيث يعتقد مدير الإدارة أن له حق التدخل في شؤون التحرير، وحيث يعتقد رئيس التحرير أنه فوق الإدارة وإنها مجرد جهاز إداري في خدمة التحرير عليها ألا تتجاوزه\”.
وكان من نتيجة هذه الحرب أن قام مدير الإدارة بوضع \”رزم الرجيع\” في ممرات، ومداخل الإدارة، والتحرير بحيث تصطدم بأقدام رئيس التحرير وهو صاعد إلى مكتبه، وتعرقل سير المدير العام وهو خارج من مكتبه فتقوم القيامة على رئيس التحرير، إلى أن وضعت الحرب أوزارها بين مدير الإدارة، ورئيس التحرير فأمر مدير الإدارة بإزالة \”رزم الرجيع\” من طريق رئيس التحرير، والمدير العام..؟

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *