[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أ.د. محمود نديم نحاس[/COLOR][/ALIGN]

قلت لمحدثي أعظم الله أجركم في وفاة ابن بلدكم فلان. فسأل متجاهلاً: ومن هذا؟ قلت له: إنه الذي قدَّم برنامجاً تلفازياً ربط فيه العلم بالإيمان! قال: بعض المشايخ قالوا عنه ضال مضل! قلت: لكن برنامجه جذب كثيرين! قال: نعم، لكن ليس عنده علم شرعي. قلت: لعله كذلك، لكنه قام بعمل إيجابي ضمن حدود علمه وإمكاناته! وما فائدة العلم الذي يكتنزه بعضهم (وأؤكد بعضهم فقط) إذا لم ينثروه بين الناس؟
وأكملت: يوم بدأ برنامجه كان شبه وحيد في الساحة، أما اليوم فالقنوات الفضائية الكثيرة أبرزت غيره وشجعت أمثاله على العطاء ضمن حدود ما يعلمون. قال: وهل تظن أن هؤلاء أفضل حالاً منه؟ فمازال بعض المشايخ يقولون عنهم ما قالوا عنه!
قلت: عندما أجد من يتسرع في الحكم على الناس أتأكد أنه ليس بعالم، إنما قد علم أموراً متناثرة وأخذ يحكم بها على الناس. أما العلماء، فكلامهم عزيز وموزون، ولا يتكلمون في الناس لأنهم يعلمون أنه ليس في البشر كامل الأوصاف أو معصوم عن الخطأ أو التقصير. والعلماء عندما يذمّون يوجهون نقدهم للفعل الخطأ دون المخطئ، فليس في الدنيا غير مخطئ.
أما الذين علموا شيئاً وغابت عنهم أشياء فيتسرعون في إطلاق الأوصاف على الناس. ولو رآك واحد منهم لما قصَّر في اتهامك بالتشبه لأنك تلبس البنطال.
قال: إن هؤلاء يجذبون الناس إلى برامجهم لأنهم يتكلمون بالطريقة المحببة للنفوس، إلا إنهم لا يعطونهم شيئاً يفيدهم في الدنيا أو في الآخرة!
قلت: لقد سمعت من أحد مقدِّمي مثل هذه البرامج يقول عبر الشاشة: كنت مسافراً في الطائرة فجلس بجانبي شاب، فعرفني، وسألني: هل أنت متأكد أن قناتكم ليس فيها شبهات؟ فأجبته: أنا متأكد أن فيها شبهات! فقال الشاب: وتعترف؟ قلت: نعم، فنحن أخذنا مهمة نقل الناس من الحرام إلى الشبهات، فأكمل أنت الطريق وانقلهم من الشبهات إلى الحلال! فسكت الشاب!
ثم قلت لمحدثي: إن كثيراً من معلمي المرحلة الابتدائية ليسوا مؤهلين للتعليم في المراحل التالية فضلاً عن أن يصبحوا أساتذة في الجامعات! لكن هل يستطيع أحد أن ينكر فضلهم في تعليم هؤلاء الأطفال الصغار؟ إنهم ينقلونهم من حالة الجهل إلى حالة العلم، ويتفننون في تحبيبهم بالتعلم. فلننظر إلى دعاة القنوات (المودرن حسب رأيك) على أنهم مثل معلمي المرحلة الابتدائية؟ أليسوا ينقلون الناس من حالة الضياع والشك والحيرة إلى حالة الإيمان واليقين؟
قال: لكن بضاعتهم مزجاة وعلمهم قليل! قلت: إنهم لا يحتاجون للعلم الكثير لأنهم لا يعطون أي فتوى، وقد وهبهم الله حسن العرض وحلو الكلام، فسخروا هذه النعم في الاتجاه الصحيح. وحسبهم أنهم اجتهدوا، والله يتولى سرائرهم.
لا أزعم أني أقنعت محدثي، لكني آمل أن يعيد ترتيب أفكاره.
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *