داروين.. إلى أين؟
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أ.د. محمود نديم نحاس[/COLOR][/ALIGN]
نشرت مجلة ساينس مؤخراً بحثاً لعلماء من جامعتي كين ستيت وكاليفورنيا الأميركيتين قدّموا فيه دليلا على خطأ نظرية داروين في النشوء والارتقاء. وكشفوا النقاب عن أقدم أثر معروف للبشر على الأرض، وهو هيكل عظمي بشري إثيوبي عمره حوالي أربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة، كان يمشي على قدميه كالإنسان وليس كالقرد. وقالوا إن اكتشافهم يثبت أن البشر لم يتطوروا عن أسلاف يشبهون قرد الشمبانزي، مبطلين بذلك النظرية القائلة بأن الإنسان تطور من قرد، وقالوا أيضاً بأن السلالات المنحدرة من هذا الهيكل ليست قروداً.
منذ أكثر من عشر سنوات كتبتُ مقالاً في عكاظ عن الجدل المحتدم في الغرب بين الذين يعتقدون بأن الإنسان مخلوق وبين القائلين بنظرية داروين في النشوء والارتقاء. وذكرت فيه: رغم أن الغربيين يدينون بدين سماوي إلا أن الفصل عندهم بين الدين وبين باقي مناحي الحياة جعل مناهجهم في التدريس لا تعتمد على معتقداتهم. وقد كتبتُ ذلك المقال عندما صوَّت مجلس تعليم ولاية كنساس الأمريكية لصالح المعتقدات الدينية، وتبنى منهج العلوم الذي وضعته جمعية علوم الخليقة لوسط أمريكا وأسقط المنهج الذي اقترحته جمعية مدرسي علم الأحياء والذي يحوي إشارات إلى نظرية النشوء. وكان ذلك القرار برهاناً على ازدياد المتشككين في صحة نظرية النشوء. وتوقع المراقبون حينها أن يتابع أصحاب التوجه الديني جهودهم لحذف نظرية النشوء من مناهج التعليم في الولايات الأمريكية الأخرى لتوحيد المناهج.
لقد ظلت نظرية داروين تثير الجدل منذ ظهورها في القرن التاسع عشر، فهل تتهاوى أمام الكشف الجديد الذي سيبقى هو الآخر نظرية إلى أن تظهر نظرية أخرى؟
إن نظرية داروين ليست من المسلَّمات، وقد عارضها علماء غربيون منذ ظهورها، لعل أبرزهم البروفسور أغاسيز (1807-1873) Agassiz أستاذ التاريخ الطبيعي في سويسرا والذي صار فيما بعد أستاذاً في جامعة هارفارد الأمريكية (والمصنَّفة الأولى عالمياً)، وقد عارضها من خلال أبحاثه عن أحافير الأسماك والجليديات.
كما رفضها علماء الدين في الغرب ووصل الخلاف حولها إلى القضاء سنة 1925م (فيما عُرف بمحاكمة القرد) واتهموا أنصارها بأنهم جاؤوا بدليل مزور اتضح لاحقاً أنه لخنزير وليس لمستحاثة بشرية.
وإذا كانت نظرية داروين تقول بالاصطفاء الطبيعي للأنواع، فقد ظهرت نظرية مقابلها تقول بالاصطفاء أو التصميم الذكي، ويعدُّها بعض العلماء أنها على قدم المساواة أو تتفوق على نظرية النشوء، في حين يعارضها الآخرون.
ويرى علماء الأديان السماوية أن نظرية النشوء تتعارض مع مفهوم الخلق ومعجزته. ويقول علماء الإسلام بعدم وجود أي تعارض بين حقائق الإسلام والحقائق العلمية. والفرق كبير بين الحقائق وبين النظريات. وهناك أفراد حاولوا التوفيق بين مفاهيم الخلق ونظرية النشوء، فأشاروا إلى أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون في ستة أيام، وهو القادر على أن يقول له كن فيكون. إنما لم يقبلوا أبداً بأن آدم عليه السلام تطور من القرد.
التصنيف: