منزل «خمسان» وشجرة الرعب

Avatar

[COLOR=blue][ALIGN=LEFT]محمد أحمد العسيري[/ALIGN][/COLOR]

بين خمسان وبين بيته تشابه غريب، كلاهما مغلف بالغموض والتجهم، من حوش منزله كانت تطل شجرة كبيرة تتدلى أغصانها للخارج، وكأنها ترغب الفرار من سجن خمسان ، حول هذه الشجرة نسجت الكثير من الأقاويل والشائعات، يقولون إن الجن يتصارعون على أغصانها عند الغروب.
في صباح كل خميس وأنا ذاهب للسوق مع والدي أسترق النظر من نافذة السيارة لسور بيته المتهالك، وشجرة الرعب، وآثار عراك الجن ليلا، وأسارع إلى إخفاء وجهي حينما تقع عيناي على خمسان، متمنيا لو زاد والدي من سرعة سيارته.
يقع منزل خمسان في الطرف الشرقي لقريتنا، ولسوء حظنا أنا لم نجد مكاناً يناسبنا لنجعله ملعباً لنا سوى قطعة الأرض التي تقع أمامه.. كنا نجتمع في العصاري نستمتع بلعب الكرة هناك، لا يهدد أفراحنا الصغيرة سوى أن نشاهد الكرة تستقر إثر ركلة رعناء في بيت الرعب ذاك، فتدب الحيرة فينا، ولا يطول بنا الانتظار قبل أن نرى خمسان خارج الدار، مرتديا إزاره البني، ونصفه العلوي عارٍ تماماَ، وعصاه الغليظة في يساره، وخنجره الصنعاني مغروس في قلب كرتنا الجلدية، وما أن نشاهد المنظر حتى نلوذ بالفرار خوفاً من أن تطالنا عصاه، أو لعنة الجن المتناثرة حوله كما اعتقدنا .
كثيراً ما كنتُ أشاهد \”علي\” ابن خمسان يسترق النظر من خلف الباب ونحن نلعب أمام منزلهم وكأنه يتوق أن يركض مثلنا خلف هذه الساحرة المستديرة، وذات مساء قررت أن أحقق له أمنيته بلمس كرتنا، فطوحت بها نحوه ، وسرعان ما أنسل خلفها كالصقر ليلامسها بكل حواسه، قبل أن يقذف بها إلينا من جديد.
حينما مات خمسان وقفنا نرقب من بعيد خروجه الأخير بدون عصاه وخنجره الصنعاني، ولا أدري اليوم أكنا فرحين برحيله وسلامة كراتنا أم أن الحزن تسلل لقلوبنا من حيث لا نشعر، ما شدني وقتها هو وجه علي ، لم أشاهد عليه حزنا ، كان يتجول بين رجال القرية وكأن الأمر لا يعنيه .
حُملت جثة خمسان، وانطلقت به سيارة العم محسن ( الشاص )، وضعوه في الحوض وإلى جواره أربعة أشخاص ووالدي خلفهم .
في مساء ذلك اليوم وبدون اتفاق لم نحضر على غير عادتنا للعب الكرة ، لا أعرف ما هو السبب، لعل حزنا خفيا تسلل إلى قلوبنا الصغيرة على رحيل خمسان، ربما
كبرت، وكبر \”علي\”، وكبر الصحاب، وشاخت الأيام، ومازال منزل خمسان مكانه تفوح منه رائحة الخوف كل ما اقترب أحدنا منه، وبقت شجرة الرعب التي تعرت من الأوراق فبدت كهيكل عظمي تعيد إلى الأذهان حكايات الأرواح والأشباح والعفاريت.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *