[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أ.د. محمود نديم نحاس[/COLOR][/ALIGN]

منذ أن برزت قضية قيادة المرأة للسيارة انتشرت عبر الإنترنت رسالة فكاهية حول إيجابيات قيادة المرأة للسيارة، وأهمها حل مشكلتي البطالة والمرور. أما البطالة فلأن الشباب سيتزاحمون على العمل في محطات الوقود ومحلات العجلاتي لخدمة الجنس اللطيف، كما ستقام شركات لإسعاف سياراتهن وسيكون لديها سيارات منتشرة في كل مكان ومرتبطة لاسلكياً بالمركز لتلبي الطلب بسرعة، كما وسيقف بعض الشباب على الطرقات يحملون عدة الإصلاح لخدمة النساء.
ومشكلة المرور ستحل لأن الشباب لن يكونوا مستعجلين في الطرق المزدحمة ولن يقطعوا الإشارة الحمراء، بل سيتوقفون لأنهم سيحاطون بسيارات الجنس اللطيف!
لكن الرسالة الفكاهية تتوقع إفلاس محطات الوقود! فشباب المحطة سيقولون للمرأة عند الدفع: خليها علينا هذه المرة!
هذه الطرفة إن كانت تعبّر فعلاً عما في نفوس الشباب فإنهم يحتاجون لغرس القيم العليا في نفوسهم، ليغضوا من أبصارهم، تماماً كما لا يحبون أن ينظر الناس إلى محارمهم، وأن يغار الشاب على أي امرأة كما يغار على أمه وأخته وزوجته وبنته. فهكذا علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نصح الشاب الذي استأذنه في إتيان المحرم، فأفهمه إن كان لا يرضاه لأمه ولا لأخته ولا لأحد من محارمه فكذلك الناس لا يرضونه لمحارمهم.
وقد اعترف شاب تائب كان يرتع في الرذائل، أنه كان يود أن تنتشر الرذيلة في كل بيت إلا بيت أهله! لكن هيهات! فقصة المثل (دقة بدقة، ولو زدت لزاد السقا) معروفة. وروى شخص قصة من بلده، وأشخاصها معروفون، وهي أن شاباً خطب صبية فرفضه أهلها لعدم الكفاءة، فخطفها ليجبرهم على تزويجها منه، فزوجوه على مضض. وتمضي الأيام ويصبح هو في منصب مرموق، ويأتي من يخطف ابنته الطبيبة ليجبره على تزويجها منه وهو كاره.
لكن كيف نغرس القيم العليا في نفوس الشباب؟ هناك تأثير متبادل بين القيم والسلوك، فمن تبنّى قيمة فإنها توجِّه سلوكه، ومن يسلك مسلكاً، تتعزز لديه القيمة المنسجمة مع هذا السلوك. وغرس القيم العليا مهمة شاقة وطويلة، لكنها بعيدة الأثر بعد الغرس، وتتم بطريقتين متكاملتين:
الأولى بالمناقشة العقلية، فيقنع المربي أبناءه أو طلابه بأن الفضيلة سلوك حسن وقيمة عليا، وأن الرذيلة عكس ذلك، ويبيّن فوائد الأولى وأضرار الثانية.
والثانية: بالتعاطف الوجداني، فيبرز المربي القيم العليا في أناس يحبهم ويعظمهم، كالنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.
ومن أفضل طرق التأثير أن يكون المربي مستحوذاً على القيم التي يريد غرسها. فقد سئل غلام سيء السلوك: هل ربّاك أبوك؟ قال: نعم، لكن جدي ما ربّى أبي!
وأخيراً رحم الله الطنطاوي القائل: رُبَّ قصةٍ من قصص الرقائق يسمعها المرء من واعظٍ أو قاصّ تبلغ من نفسهِ ما لا تبلغ أقوى الأدلة العقلية والبراهين المنطقية!
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *