[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]فهد بن محمد علي الغزاوي[/COLOR][/ALIGN]

دائماً ما يبحث الإنسان الذكي المُبدع الموهوب عن راحته وسعادته وأولها من يفهمه ويُقدره ويعطيه حقّه من الكرامة الإنسانية ويُقدم له احتياجه ويشبع رغباته ويريحه في توفير الخدمات التي يتطلبها. كثيراً ما ألتقي ببعض الزملاء والأصدقاء والجاليات العربية المقيمة أثناء سفري خاصةً في دول أوروبا حيث يدعونني هؤلاء الأخوة المهاجرون لبيوتهم لتناول طعام العشاء مع أُسرهم وغالباً ما أجد هذه الأُسر تعيشُ في وئامٍ وسلام واطمئنان وراحةً واستقرار. هذا الاستقرار قد أدعوه نفسيا واجتماعيا وحتّى اقتصاديا! أتناول معهم كثيرا من الأحاديث الخاصة والعامة وأخوضُ في حياتهم ومعيشتهم. أشعرُ من خلال هذه الأحاديث أن أمثال هذه الأسر لا تجد نفسها في مجتمعها وبلادها والكثير منهم أوضح هذا بشيءٍ من الأسف والحسرة؟ حيث يقول أحدهم: وجدت الراحة النفسية وجدت راحة وتعليم أبنائي في هذا البلد. وجدتُ الاستقرار الأُسري. توفرت لي الخدمات. وقُدمت لي الإغراءات. تحصلّتُ على مرتب عال. وجدتُ الزوجة التي تفهمني. كونتُ علاقاتٍ اجتماعية كبيرة. خاصةً مع الجاليات العربية والإسلامية. وجدتُ الصراحة والأمانة والصدق في القول والعمل. قُدمت لي الجنسية كرغبة في عملي وتميُزي في خلقي. أحدُهم يقول بكل ثقة في نفسه، المجتمع الغربي يُقدر الإنتاج ويقدم الكثير من المميزات للإبداع والمبدعين! آخر يقول لي أن هذه المميزات والإغراءات لم أجدها في موطني ومسقط رأسي. وآخر يُردف قائلاً إنني الآن بدأت أستثمر في هذا البلد برأسمال لا بأس به، وأكبر استثمار في حياتي هو تعليم أبنائي بأيسر الطرق وأحدث الأساليب! هذا ما كان بشأن الموهوبين. أما الآخرين من المهاجرين المتواجدين في عدة دول عربية وغير عربية تكادُ ظروفهم تتشابه فأغلبهم متقاعدون دواعي هجرتهم أن رواتبهم في بلادهم لم تعد تكفي للعيش بأمانٍ واستقرار بعد ارتفاع الأسعار أصبحت رواتبهم التقاعدية لا تفي بحاجتهم وحاجة أسرهم وخاصةً للسكن والعلاج. رغم أن رواتبهم التقاعدية عالية ومراتبهم الوظيفية لا بأس بها. ويتفق هؤلاء المبدعون والمتقاعدون بأنهم وجدوا من يفهمهم ويقدم لهم خدماتٍ عالية الجودة وخاصةً التعليم والرعاية الصحية. أحدهم قال لي متهكماً.. هنا لا تنقطع الكهرباء أو تختلط الماء بالمجاري!؟ شعرتُ حينها بحزةٍ في النفس ولكنني تمالكتُ نفسي في الرد عليه. انصرفت متأملاً ما قيل لي وما شاهدته ولمسته من خلال زياراتي المتكررة لعددٍ من الأسر المقيمة هنا وهناك. وجدتُ في كلامهم صراحة وأمانة فالكلُ من هذه الشرائح اختار لنفسه ما يُسعده ويريحه ويُساعده على العيش بكرامة وبحبوحة. خاصةً وأن الكثير منهم أصبحوا من أصحاب الأملاك والبعض الآخر استثمر في شراء العقارات وإيجارها مما جعلهم يعيشون حياةً مستقرة هادئة. ربطتُ ما قيل وما أعيشه ويعيشه الكثير من أمثالي من المتعلمين والمتقاعدين فجدتُ الفارق كبير بيني وبينهم. فأمثالي من أصحاب الرواتب العالية من المتقاعدين لا يستطيعون أن يُكملوا الشهر برواتبهم بل إن الراتب ينتهي منذ العشر الأيام الأولى من الشهر مما يترتب عليه الاعتماد على دخلٍ آخر أو الاستدانة لتكملة احتياجات الأُسرة؟ فما بالك بمحدودي الدخل! بينما إخواننا النازحين المقيمين في الدول المجاورة يعيشون حياة استقرارٍ مادي مما جعلهم يدخرون أكثر مما ينفقون.. فكرتُ بيني وبين نفسي متسائلاً هل نهاجر ونتركُ الأوطان لغيرنا من طالبي العيش والقادمين للاسترزاق إلى بلادنا حتى نعيش حياة مستقرة مادياً ونفسياً؟ أم نصبر حتى يُغير الله حالاً بأحسن حال. وجدتُ نفسي لا أستطيع مهما كانت الظروف أن أترك مسقط رأسي ومكان آبائي وأجدادي وتربيتي بين أهلي وأحبابي وأصدقائي. فالصبر على جور الحياة وقسوة العيش يتطلب الاحتمال لقول الله تعالى: ((وتِلك الأيامُ نداولُها بين النَّاس)) فاليوم عندي وغداً ما عندي! لو أن كل الناس تركوا أوطانهم لما عمرت الأرض وازدانت بحضاراتٍ وآثار. فضغوط الحياة كثيرة وتحدياتها صعبة والفرقُ يرجعُ إلى تحمُّل الإنسان عن آخر ومدى ارتباطه بثرى تلك الأرض والتاريخ مليءٌ بالأحداث والتحديات والصعاب التي جارت بها الأرض والبيئة على الإنسان ولنا في أهلنا وأجدادنا قدوة فقد صبروا ونالوا وحُرموا فشكروا.
الإنسان يمكن أن يتحمل الفقر ويعيش في أي مكان صحرةً كان أو بستان ولكن لا يستطيع أن يعيش في بيئة فيها فقر وعدم عدالة لأن الظلم كما يقولون ظُلمات وهو عامل مُنفِّر للحياة فالصبر على الفقر أسهل من الصبر على الظلم والاضطهاد والحرمان لأن الفقر مقدَّر.
وقد يُوصل الظلم الإنسان لحالة من الفقر والعوز. فالظلم في أحيانٍ كثيرة يتغلب حتى على الانتماء والوطنية. وعامل اليأس يجعل الإنسان يلجأُ في أحيانٍ كثيرة إلى أي مكان هرباً بدلاً من الإحباط والتبلُّد من خلال تغيير البيئة أو البلد الذي يعيشُ فيه وهناك أمثلةٌ كثيرة تدلُّنا على أن الإنسان عبدٌ للإحسان وهو يبحث عن الراحة والاستقرار والاطمئنان فالدول الغربية استطاعت أن تكسب العقول قبل بناء الجسور.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *