[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]إبراهيم عبد الواحد زقزوق[/COLOR][/ALIGN]

أمي العزيزة.. من نحن اليوم يا أمي .. بل ما نحن اليوم عند الناس .وعند انفسنا .. ما عنواننا الذي نحمله في الحياة ونعرف به بعد وفاتك..
اننا لم نعد بعد اسرة ولم يعد الناس حين يتحدثون عنا يقولون هذه اسرة فلان .. وهذا أخوه واخواته الثلاثة.
اليوم فقط اصبحنا شيئا منثورا واني لأضم اليوم الى صدري ابنك واخواتي اضمهم بشدة لأستوثق من الوحدة واشعرهم بالرعاية ولكن هيهات هيهات فأنا وهم بعدك أيتام يا أماه ..
لقد شعرت اليوم فقط بثقل العبء أنني لم أكن انهض به وحدي .. لأنني قوي بك . اما اليوم فالعبء فادح .. والحمل ثقيل .. وانا وحدي ضعيف هزيل ..
إن الشوط لطويل واني لوحدي في الطريق .. وأخي لوحده كذلك واخواتي وحدهم أيضا.
نحن اليوم غرباء في الحياة كلها .. ولم تثبت اغصاننا بعد فراقك بلا أم..
كم أنا في حاجة لمن يربت على كتفي. ويضمني الى احضانه فلقد تذكرت أنك دعوتني مرة في دعابة من دعاباتك الحلوة أن آوي الى احضانك كما كنت طفلا وكم كنت مشوقا لتلبية دعوتك لولا الكبرياء التي اودعتِها نفسي منذ الطفولة فجعلتني أهرب من كل مظاهر الطفولة ولو علمت ساعتها يا أماه.. انك راحلة لنسيت كل تعاليمك لأرتمي لحظة واحدة في حضنك الرقيق كما كنت طفلاً – اماه .. من ذا الذي يقص عليّ أقاصيص طفولتي كأنها حادث الامس القريب .. من ذا الذي يصوغ لي الاحلام الذهبية في الآمال .. وتسكبين عليها إكسير الوجدان أماه .. عندي لك انباء كثيرة جدا ومتزاحمة تواكبت جميعها في خاطري على طول العهد بغيبتك . انه ليخيل الي في يقظات ذاهلة أنني أترقب عودتك لأسمعك هذه الانباء واحدثك بما جد في غيبتك من احداث وأنك ستسرين ببعضها .. وتتأثرين ببعضها .. وهي مدخرة لك في نفسي.يا أماه .. ولن تدب فيها الحياة الا حين أقصها علي سمعك.
عدت أمس متأخرا يا أماه الى المنزل ، ولكنني لم اجد من يسألني لم تأخرت .. فيشعرني بتلك القيود الحبيبة الى النفس يصوغها الحنان الخالص ..وتزجيها اللهفة الحنون .. ولم اجد من تدمع عيناه فرحا ولهفة وهو يأخذ بيدي بين يديه ليزيد باللمس تأكدا من وجودي واطمئنانا الى عودتي ..انني لأخطئ كل الخطأ حين أقول كنت .. وكنت فأنت لا تزالين معنا تصرفين حياتنا وتوجهين خطواتنا وإننا لنأخذ ما نأخذ من الأمور .. وندع ما ندع من الشؤون لأن هذا وذلك يرضيانك فلك حساب ملحوظ في هواجسنا وأفكارنا وفي حركاتنا وتصرفاتنا .. وربما كان في هذا بعض العزاء، لولا أن شخصك الذي فقدنا هو كذلك عزيز علينا بذاته، لا تعوضه الذكريات ولا تعد له المعنويات.
ومع هذا يا أماه .. يشير علينا البعض ان نهرب من هذه الدار التي نسكنها ونبعد عن الذكريات التي تعمرها والتي تهيج لنا الألم كلما سكن وتلفنا بالخيالات والاطياف ولكن من قال يا أماه انني اطيق او اريد الهروب من هذه الآلام انها كل ما بقي في ايدي منك وهي عزيزة عليّ وثيقة الصلة بي ذات اوشاج بعروقي ودمي فلن اهرب منها يا أماه .. ولن اختار عليها راحة السلوة الرخيصة . فهذه الم من الذكرى لأنها حقيقة الفقدان.
لقد لمحت طيفك يهم بالتواري وانا اكتب هذه الرسالة اليك ويتوارى عن هواجس ومخيلاتي .. ولكن في حذر وبطء رقيقين فهمت ان اصيح لا لا..
أيها الطيف الحبيب قف نصمد لعجلة الزمن العاتية كي لا تدور فتسحق كل عزيز وتدفن الماضي الذي نعيش على هداه.
عيشي معنا يا اماه في هواجسنا وافكارنا .. لا نبالي ان يلدغنا الم الذكرى كل لحظة فهو ألم رفيع عزيز يغذي من نفوسنا ما كان يغذيه عطفك، جنينا الفراغ القاتل والسلوي الرخيصة .. يا أماه..
مكة المكرمة

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *