متى يدرك العرب مصلحتهم الحقيقية ؟

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد التهامي[/COLOR][/ALIGN]

لعبت كلمة الوحدة العربية دورا خطيرا جدا في حياة العرب المعاصرين وسيطرت علي مشاعرهم وأثارت أفكارهم‏,‏ وشحنت عواطفهم‏,‏ خاصة أنه قد جثم الاستعمار علي صدر المنطقة العربية كلها تقريبا أكثر من قرن من الزمان سواء كان استعمارا عثمانيا أو اسبانيا او فرنسيا أو انجليزيا‏,‏
وبدأت بذور الخلاص في مستهل القرن الماضي رويدا رويدا الي حد أنه منذ انشاء الجامعة العربية في أربعينيات ذلك القرن اشيع ان ذلك كان بإيحاء من مستر إيدن عميد الاستعمار الانجليزي‏,‏ والعجيب أن عبدالرحمن عزام باشا رائد الجامعة العربية وأمينها العام الأول عندما سئل عن تصريح مستر إيدن لم ينكره ولكنه قال ننشؤها ونحاربهم بها‏.‏ وكان الدافع الأول للوحدة العربية هو الاندفاع العاطفي حيث كان الدعاة يستصرخون الدم العربي ويظنون ان مجرد الدعوة ستجمع العرب دون نظر الي اي اعتبار آخر استجابة لقول الشاعر العربي القديم‏:‏ومت أنا إلا من غزية ان غوت غويت وان ترشد غزية ارشد
وعلي هذا الاساس كان عزام باشا يراهن علي اننا سنقيم دولة عربية واحدة من الخليج الي المحيط في مدة عشر سنوات وكان الرهان عام‏1948,‏ وفي عام‏1958‏ ذكرت عبد الخالق حسونة باشا الأمين العام للجامعة حينذاك بذلك الرهان فقال لي‏:‏ اننا نحمد الله اننا استطعنا ان نحافظ علي الجامعة العربية بوضعها الراهن حتي الآن‏.‏ وبديهي ان الحركة القائمة علي الاندفاع العاطفي وحده لا يحكمها المنطق السليم ويعوزها التنظيم والروية والتخطيط الواعي ولهذا اضطربت خطوات المسيرة العربية في نطاق الجامعة وكانت في كثير من الاحيان تتم في نطاقها الدراسات وتتخذ القرارات‏,‏ ولكن تتعثر خطوات التنفيذ وتتناقض‏,‏ فكانت مثلا تتخذ قرارات بالاجماع في المجلس الاقتصادي بالغاء الرسوم الجمركية علي بعض المنتجات فتبادر بعض الدول الاعضاء الي فرض رسوم استهلاكية داخلية علي نفس السلع لمنع استيرادها‏.‏قد لمست شخصيا ـ بحكم موقعي في الأمانة العامة للجامعة ـ بعض المواقف التي تضحك الثكلي كما يقولون ومنها أنني كنت أعمل بسكرتارية مجلس الجامعة وأصوغ مسودات القرارات وفي مرة كتبت في المقدمة‏:‏ انه سبيلا الي الوحدة العربية فإذا بوزير خارجية دولة عربية صغيرة يصرخ‏:‏ من قال إننا نعمل للوحدة العربية؟ وأعتقد انه بعد هذا الزمن الطويل وبعد هذه التجارب المريرة والاحداث العالمية الخطيرة والعولمة الكاسحة والأزمة المميتة وقيام الاتحاد الاوروبي قد آن لجميع العرب صغارا وكبارا ان يدركوا ان المصلحة العربية الحاكمة لنا وللأجيال المقبلة تحتم علي الكل ان يعطي للكيان الكبير ما استطاع‏,‏ فإن مردود هذا العطاء سيكون اضعافا مضاعفة علي الكل سواء بسواء ولنا ميزة في ان تلتقي العاطفة مع المصلحة‏.‏
الأهرام المصرية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *