هل يمكن لطفل أن يتكلم العربية الفصحى؟
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أ.د. محمود نديم نحاس[/COLOR][/ALIGN]
يجادل بعض الناس بأن اللغة العربية هي إحدى اللغات الصعبة. وما دَرَوا أنه ليس هناك لغة سهلة، وهم لم يقارنوها بالصينية أو غيرها من اللغات الشرقية. والعربية ليست أصعب من الفرنسية والألمانية. أقول هذا وقد سبق لي أن درست الفرنسية، وبدأت بدراسة الألمانية. أما الإنجليزية، التي هي لغة العلم اليوم، فتبدو سهلة للتعلم، لكنها ليست سهلة لمن يريد إتقانها. فإذا كان الفعل في العربية يأخذ إحدى الصيغ الثلاث: الماضي والمضارع والأمر، فإنه في الإنجليزية له صيغ كثيرة. فالماضي إما أن يكون بسيطاً أو مستمراً أو تاماً أو تاماً مستمراً، وقل مثل ذلك في المضارع، ومثله في المستقبل، ومثله في مستقبل الماضي، وأضف إلى هذه صيغة الأمر ليصبح لديك سبع عشرة صيغة. وأكثر طلابنا لا يعرفون متى يستخدمون كل صيغة من هذه الصيغ. ومن الطرائف اللغوية التي حصلت معي في بريطانيا عندما شكوت إلى الطبيب بأن الدواء الذي وصفه لزوجتي قد قلل من حليب الإرضاع، فقال لي: ضعه على الرف. فأخذت أتلفت في العيادة فإذا بالأرفف ملأى بملفات المرضى، ولما وجدت فراغاً سألته: أأضعه هنا؟ فصرخ: أعني أوقف استخدامه! نعم إنها عبارة بسيطة ومع ذلك لم أدركها مباشرة.
فهل شكوى الطلاب من اللغة العربية سببها طرق تدريس اللغة؟ أم سببها انتشار العامية؟ لكن هناك تجربة رائدة وناجحة قام بها دكتور مختص لتعليم العربية الفصحى بالفطرة والممارسة منذ سنوات الطفولة، وذلك لجعل العربية الفصحى لغة التواصل فيسهل على كل فرد إتقان لغة الكتاب الذي يقرؤه والعلم الذي يدرسه، مما يساعده على الفهم السريع والتقدم في جميع العلوم. وتقوم طريقته على اكتساب العربية الفصحى في فترة الحضانة والروضة والمرحلة الابتدائية الأولى، وهي الفترة التي يكون فيها دماغ الطفل قادراً على إتقان اللغات بالفطرة، لكي يتفرغ بعد ذلك لتلقي العلوم والمعارف والمهارات المختلفة وإتقانها والإبداع فيها. إضافة إلى جعل المحادثة بالعربية أمراً مألوفاً فتصبح قريبة من القلوب محببة للنفوس. وإتقانها استماعاً وتحدثاً وقراءة وكتابة ضروري من أجل التعلم وتحقيق التقدم الحضاري، والإبداع الفكري الذاتي، والتماسك الثقافي، للأمة كلها.
وتعتمد الطريقة على ما كشفه العلماء واللغويون النفسيون منذ حوالي أربعين عاماً أن الطفل يولد، وفي دماغه قدرة هائلة على اكتساب اللغات، وأن هذه القدرة تمكِّن الطفل من كشف القواعد اللغوية كشفاً ذاتياً وتطبيق هذه القواعد، ومن ثم إتقان اللغة الأم أياً كانت هذه اللغة حيث لا توجد لغة أصعب من لغة بالنسبة إلى الطفل. وأن هذه القدرة تبقى نشيطة حتى سن السادسة ثم تبدأ بالضمور، وتبدأ برمجة الدماغ تتغير بيولوجياً من تعلم اللغات إلى تعلم المعرفة. ويمكن تنشيط هذه القدرة واستغلالها في المرحلة الابتدائية الأولى (من عمر السادسة إلى التاسعة) بحيث لا يحتاج الطفل إلى إعطائه قواعد اللغة التي يراد له أن يتعلمها في هذه السن.
وقد طبَّق الدكتور النظرية على ابنه وكان عمره سنة واحدة، حيث كان يكلمه بالفصحى، بينما كانت الوالدة تكلمه بالعامية. فأتقن الطفل المحادثة بالعربية المُعْرَبة (يرفع وينصب ويجر دون خطأ)، كما أتقن المحادثة بالعامية، وعمره ثلاث سنوات. وعندما أصبح في الصف الثاني الابتدائي كان قد قرأ 350 كتاباً من كتب الأطفال.
وبعد ذلك انتقل الدكتور لتطبيق طريقته في رياض الأطفال. ومنذ العام 1988م تبنتها ست عشرة مدرسة في سبع دول عربية (الكويت، سوريا، البحرين، الأردن، السعودية، الإمارات، لبنان). والأهم من هذا هو برنامج تدريب المعلمات والمعلمين على المحادثة بالعربية الفصحى لتعليمها للأطفال. وتفاصيل الموضوع يمكن الرجوع إليها في موقع مركز الضاد على الإنترنت.
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز
[email protected]
التصنيف: