أفغانستان : اختلفت الإدارات والهدف واحد

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] راضية الزيادي[/COLOR][/ALIGN]

توقع قائد القوات الأمريكية المشتركة، مايكل مولن، ان تزداد حدة التوتر في افغانستان خلال الاشهر المقبلة مع ارسال التعزيزات العسكرية الامريكية التي اقرت مؤخرا الى افغانستان. غير ان هذا الاتجاه لن يستمر طويلا بما أنه سيأخذ حسب المسؤول الامريكي في التراجع مع بداية تحقيق الامن للافغان . وفي حقيقة الامر فإن شعار تحقيق الامن للافغان و القضاء على ما تعتبره الادارة الامريكية، البؤرة الاساسية للارهاب، دفعت حتى الآن بأكثر من سبعين الف جندي اطلسي الى افغانستان دون تحقيق الاهداف المنشودة امريكيا.
حوالي ثماني سنوات مرت الآن على الاحتلال الامريكي لافغانستان دون ان تكون هناك آفاق واضحة للانسحاب من هذا البلد، خاصة و ان هذا الانسحاب يرتبط حسب الاستراتيجيات الامريكية بالقضاء على القاعدة و طالبان كما يرتبط بتوفير الاستقرار و الامن للبلاد. استراتيجية اعتمدت على التعزيز المستمر للتواجد الاطلسي في هذا البلد بما في ذلك من قبل الادارة الامريكية الجديدة التي وضعت مبدئيا آفاقا واضحة للانسحاب من العراق و اتخذت جملة من الاجراءات الجريئة الهادفة الى معالجة اثار سياسات الادارة السابقة، دون ان يكون من ضمنها الانسحاب من افغانستان، رغم نفاد صبر الامريكيين الذين تؤكد عمليات سبر الآراء ان اغلبية الراي العام الامريكي تؤيد انسحابا من افغانستان ولا ترى ما يبرر استمرار الانخراط الامريكي في ذلك البلد، خاصة و انهم ينتظرون قرارا سياسيا شجاعا من قبل ادارة الرئيس اوباما.
و ربما تجد الادارة الامريكية الحالية من شعار الحرب على الارهاب الذي بررته هجمات 11 من سبتمبر ضد الولايات المتحدة الامريكية، و ما خلفته تلك الهجمات من تعاطف دولي مع الموقف الامريكي، ما يشرع الاحتلال الامريكي لافغانستان، خاصة و قد ارتبط هذا الاحتلال، مثل كل احتلال اخر، بشعارات تحقيق الامن و التنمية و التقدم للافغان، كما ارتبط بالتضامن بين «الديمقراطيات الغربية» في محاربة التطرف و الجهل، هذه الدول التي انخرطت عسكريا الى جانب واشنطن رغم التضحيات التي قدمتها في هذا المجال.
و رغم مضي كل سنوات الاحتلال لم يتحقق الامن للافغان ولا التنمية ولا الاستقرار، كما لم يتحقق النصر على الارهاب… كما ان هذه الحصيلة السلبية لم تشجع الادارة الامريكية الجديدة على اتخاذ قرار الانسحاب من افغانستان، رغم اليقين السائد بصعوبة تحقيق اي من الاهداف المرسومة في المستقبل، والاقرار الضمني بصعوبة ترويض الافغان عامة وهم الذين صمدوا طويلا في وجه احتلال سوفياتي شرس. وفي حقيقة الامر فإن الامر لا يرتبط برغبة امريكية في تطهير افغانستان من التطرف والارهاب، عبر القضاء على القاعدة و طالبان، ردا على هجمات 11 من سبتمبر. كما ان الامر لا يرتبط بالرغبة «الخيرية» الامريكية والغربية في مساعدة الشعب الافغاني، انما يرتبط بالرغبة في تامين خطوط نقل النفط في اسيا الوسطى. وما السيطرة على افغانستان، البلد الذي كان الحلف الاطلسي يعتقد انه سيسهل اخضاعه بصفة تامة، سوى محطة من محطات تركيز النفوذ العسكري الامريكي في المنطقة، وشكل من اشكال التاثير الامريكي فيها بما يتلاءم و طبيعة تلك المحطة… و هو ما يفسر تمسك ادارة الرئيس أوباما بالتصعيد في افغانستان وبالمبررات التي لم تختلف كثيرا عن مبررات الادارة السابقة.
لم تختلف حتى الآن المبررات الأمريكية بشان افغانستان بين الادارتين الجمهورية والديمقراطية، بل ان الادارة الجديدة اصبحت تعتبر استمرار الحرب و الاحتلال في افغانستان، هو ضمان لعدم انهيار الامن والاستقرار في باكستان المجاورة التي باتت حكومتها مهددة بما تعتبره تحالفا قبليا طالبانيا بين افغانستان و باكستان، في حين ان ما يحدث في باكستان هو نتيجة غير مباشرة للاحتلال الامريكي لافغانستان و لتوجه الادارة الامريكية السابقة نحو التضحية بأمن واستقرار ذلك البلد في سبيل تنفيذ أهدافها العسكرية، سياسة انعكست عبر محاولات الزج بالحكم الباكستاني و بالباكستانيين في المناطق المجاورة لافغانستان في حرب الادارة الامريكية، دون اهتمام بالروابط الدينية و القبلية المتينة و الرابطة بين الافغان و الباكستانيين، و دون اكتراث للسيادة الباكستانية في بعض الاحيان. وبذلك توسع الادارة الامريكية، مجال التوتر وعدم الاستقرار الى كل من افغانستان وباكستان، و كلما باتت سيطرتها مهددة على افغانستان، و هي لا تسيطر حاليا على اكثر من ثلث افغانستان، كلما امتد تاثير عملياتها العسكرية الى الاقاليم الباكستانية المجاورة، و امتد نتيجة لذلك الغضب والرفض الشعبي للوجود الامريكي هناك. و بذلك يكون الرئيس الامريكي قد فشل في الخروج من فخ التصعيد العقيم في افغانستان، واوجد بسياساته تلك المبرر لعودة طالبان من جديد، بعد ان فتحت سياسات سلفه بوش الباب امام هذه الحركة للعودة في الصراع و لاستمالة الافغان من جديد، وهي التي تسيطر حاليا على اكثر من 72 بالمائة من الاراضي الافغانية . و اذا كان بوش قد اعدم بسياساته المتطرفة كل امكانيات الحل الوسط في افغانستان، فان مواصلة هذه السياسات من قبل الادارة الجديدة، سوف يسحب من بين أيديها اريحية المبادرة تجاه الفصائل الافغانية للبحث في انهاء الحرب باجماع كل الافغان.
الشروق التونسية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *