[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي خالد الغامدي[/COLOR][/ALIGN]

قال الأب المسن لابنه الشاب \”الذي يفيض حيوية، وذكاءً\” وقد مل جلوسه عاطلاً إلى جواره: ليه يا ولدي ما تروح الحلقة، وتشتري \”بيعة بطيخ\” وتبيعه على الناس كما يفعل أقرانك من الشباب الوافد؟
ولم يكد الأب يُكمل كلامه حتى صرخ فيه الابن بأعلى صوته كأنه يصرخ في وجه عدو له: تبغاني أبيع بطيخ في آخر الزمان.. إيه اللي جرى..
بعد هذا الفاصل القصير من اللوم، والعتاب المشترك ضحك الاثنان: ضحك الأب وضحك الابن حتى وصلت القهقهات إلى غرفة الأم \”لكن الضحك كان مختلفاً، ضحك الأب كان يحمل في طياته كثيرا من الغيظ ، وضحك الابن كان يحمل في طياته كثيراً من السخرية على هذا الاقتراح\”.
وباعتبار أن هذا الشاب الذكي ، والذي يفيض حيوية، ونشاطاً سخر من اقتراح ابيه المسن فإن كثيراً من الشباب أمثاله يحملون نفس الرؤية لمثل هذه الأعمال ، والمهن، ويتركون كل شيء تقريباً للوافدين باستثناء وظائف مريحة ، على كراسي مريحة، ولها دوام مريح، ولا يوجد لها دوام مسائي ، ولا تحتاج إلى أعمال \”شيل، وحط\” وتعب، وازهاق، وانتظار، وصبر – احياناً يكون مملاً – واحياناً اخرى يكون مزعجاً بالنسبة لهم.
والأب على حق في اقتراحه لابنه بأن يذهب للحلقة، ويشتري \”كوماً من البطيخ\” ويبيعه على ظهر ونيت كما يفعل الوافدون، وهو – أي الأب- حريص على استمرار حيوية ابنه، وأن تتحرك الفلوس بين يديه ليعرف قيمة العمل \”بدل هذه الرقدة الطويلة في البيت إلى جواره\”..
والابن على حق في عدم – ارتياحه- لهذا الاقتراح ، وإن لم يكن على حق في سخريته منه فهو من وجهة نظر اصدقائه وهو أذكاهم ، وانشطتهم سيبدو بين \”أكوام البطيخ\” لو رآه احدهم بالصدفة مثيراً لضحكهم، وتعليقاتهم، وتندراتهم لكنه – لو تمعن في الأمر، وسنه لا يسمح بذلك – فإنه بعد فترة سيكون له شأن بين هؤلاء الاصدقاء حين تجري الفلوس في يديه، ويتمكن من الصرف على هؤلاء الاصدقاء..
وهذا يُذكرنا بحكاية الشاب الذي تقدم لامتحان وظيفة \”مضيف جوي\” قبل أكثر من عشر سنوات فسأله رئيس اللجنة سؤالاً مُدهشاً، قال له: ماذا تفعل إذا اكتشفت وانت في الطائرة ان شيخ قبيلتك على الرحلة..
ويقصد رئيس اللجنة أن الشاب سيخجل من شيخ قبيلته وهو يحمل دلة القهوة، أو ترمس الشاي، أو صينية الوجبة \”وهو تماماً ما ينطبق على الشاب العاطل\” الذي اقترح عليه أبوه أن يذهب للحلقة ويبيع، ويشتري في البطيخ ليرفض الاقتراح بشدة خشية من أن يراه أصدقاؤه وهو \”مُتلبس\” ببيع البطيخ.
مضى الزمن الجميل الذي كان فيه الأبناء – عندما يكبرون – يحملون هموم الآباء، وجاء زمن صار فيه الآباء يحملون هموم الابناء فمتى تُفرج الوظائف بعيداً عن \”باب جميل، وباب شريف\”..؟

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *