[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]يوسف اليوسف [/COLOR][/ALIGN]

من مخلاتي الصغيرة
هل يَغلب أو يخرج عليك لسانك أم هو تحت السيطرة والضبط (Control)؟ إن كان حقاً فما بالنا نرى بعض المجالس خرجت ألسنة أصحابها فيها عليهم، فأشعلت فيهم نيران الغيبة والنميمة بل والفتنة .. وقذفت ونَمّت وبهتت واغتابت بما فيهم وبما ليس فيهم، فصارت فاكهة المجلس والمنتدى يتندر فيه البعض إلا من رحم ربي ويحلو لهم طي ساعات السمر الطويلة عليها.. فقد جاءت قصص عديدة عن مثل تلك المجالس إلا من عفا الله وهدى..
فقد جاء يسعى لصديقه مبكراً وغاضباً تبدو على قسماته سيما الحزن والانفعال فابتدره قائلاً : لقد كنتُ في مجلس في مناسبة وفيها جمع كبير من الناس.. وقد جاءت سيرتك فإذا بفلان يوجه عنك لوماً وعتاباً بل ويوصفك بوصف سيئ أغضبني وذلك أمام العديد من السامعين.. وقال فيك كذا وكذا.. فتمالكت نفسي وسكت عن هذا الإجحاف والكلام عنك، وقررت أن أول شئ أفعله في الصباح الباكر أن أحضر لمقابلتك وأخبرك بما قاله (فلان) لتحذره عند تعاملك معه فهو إنسان يحقد عليك ويَكِنُ لك كُرها وعداءً ولا يرعى لك ذمة أو عهدا.
فما كان من صاحبنا إلا أن أجلسه وهدأ من روعه.. وقال له : أشكر لك غيرتك وحرصك على المجيء لتخبرني بالذي حدث وما قد قيل عني.. لكن أود أن أسألك : هل تعتقد أن ما قاله صديقي عني ينطبق عليّ فعلاً.. فقام مُنكِراً ونافياً أن ذلك ليس فيه البتة.. ثم قال له ولي سؤال آخر: هل أنكرت عليه قوله مثلما أنكرت لي قوله عني ؟.. فقال له لا.. فقال ولم ؟ فأجابه متلعثماً مضطرباً : لقد كُنت أنوي الرد عليه ولكن كان الناس يجلسون وكان بينهم مسؤولين وكبار في السن.. وخشيت أن تحدث مشكلة ومشادة… الخ من الحجج..
عندها قال له صاحبنا : لقد قبلت منه غيبته وبهتانه عني فيما قال.. والآن تتعذر بهذه الحجج.. فهل لي أن أخبرك بأفضل من ذلك ؟.. قال له تفضّل : قال فكم هو مقدار السرور والفرح والأجر لو جئتني وقلت لي كنا أمس في مجلس كبير ضَمّ صاحبك فلان.. وجاءت سيرتك وذكرك بكل خير وافتقدناك في المجلس وكم تمنينا لو كنت معنا ؟ ألا ترى أن ذلك كان سيدخل عليّ السرور ويقربني أكثر من صاحبي ولربما اتصلت به واعتذرت عن عدم تمكنني من الحضور وشكرته على طيب حديثه عني.. عندها لشعر بالحرج والأسف في نفسه جراء ما قاله عني.. ولكُنتَ أنت قد أصبتَ خيراً كثيراً في مثل هذا الوضع، بدلاً من تحريضي وتوغر صدري عن صديقي، ولو إنني طاوعتك لذهبت الآن وتشاجرت معه و أسمعته ما لا يرضيه ولقاطعته مدة حياتي.. فما هو الأفضل أن يُفعل وما هو أحق أن يتبع ؟! عندها أُحرج الرجل وأُسقط في يده من شدة الحياء ولم يجبه بغير الاعتذار والتعلل بأنه كان يظن أن هذا الكلام كان من باب غيرته عليه وتحذيره من صديقه وليس غير.
وحال الناس في آخر هذا الزمان إلا من رحم ربي لا يتعظ أو يرتدع بسهولة.. فلابد من اختلاق المخارج والأعذار الواهية التي لا يقتنع هو أصلاً بها ولكن تخوفاً وتهرباً من وصفه وذمّه بفعله فتراه يصارع نفسه وفكره ليجودا عليه بحيلة وألفاظ تخرجه من دائرة اللوم والخطأ.. لا يهم طالما أن تلك عادته قد اعتاد أن يبذلها في كل مجلس ليُرضي نفسه ونزعته عن الآخرين..
جاء أحد الصحابة رضي الله عنهم غاضباً يشكو لسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مسألة أمر بها الصديق له، ولم يوافق له سيدنا عمر بن الخطاب عليها.. فقال الرجل : أأنت الخليفة أم عمر؟! فردّ عليه الصديق رضي الله تعالى عنه بمقولته الشهيرة وبأسلوب مليء بالحكمة والسداد وساداً لكل الذرائع التي يمكن أن يتذرع بها مثل بعض الناس في زماننا هذا: (أنا هو إلا أنه إياي).
فهل نفطن عزيزي القارئ ونحترس من التفكه والتندر بسيرة الناس في المجالس.. وهل نحجم ونمسك علينا ألسنتا ولا نجعلها تنهش في أمور وأخبار و(لحوم) الناس، فتتولد العداوة والبغضاء ويتحول المجلس إلي مجلس إثم وغيبة ونميمة.. وهل توافق على أن (تكون أنت أنا) و(أكون أنا أنت).. فلا تقول عني إلا ما ترضى أن يقال عنك ولا أقول عنك إلا ما أرضى أن يقال عني ؟ ولنعمر مجالسنا بطيب الكلام والذكر لتتحول حياتنا إلى محبة لاسيما في هذا العصر المليء بالضغوط النفسية والمشاحنات إلا من رحم..وإنا كنا فاعلين وناقلين فلنحول مثل تلك المقولات السلبية الخاطئة إلى مقولات إيجابية تُصلِح ولا تُفسِد تبني ولا تهدم أعاننا الله جميعا… وبالله التوفيق…
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *