قمة الدوحة والملفات الخمسة
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]وليد نويهض[/COLOR][/ALIGN]
أربعة ملفات عربية وإقليمية تنتظر المعالجة أو التوافق على مداخلها ومخارجها في قمة الدوحة التي ستعقد في نهاية الشهر الجاري. الملفات تشتمل على مجموعة أوراق منها ما يعود إلى عقود وبعضها جديد أضيف إلى مهمات عمل الدول العربية.
هناك أولاً الملف الفلسطيني وتتضمن أوراقه موضوع مبادرة السلام العربية والآليات المطلوبة لإعادة تنشيطها وتحريكها دولياً. وموضوع وحدة الموقف الفلسطيني وتوافقه على برنامج موحد للتفاوض أو مواجهة سياسة الاحتلال والاستيطان والتهويد في ظل حكومة إسرائيلية يرجح أن تكون شديدة التطرف. وموضوع المسارات وكيف يمكن التعاطي معها ثنائياً تحت سقف التضامن العربي وما يتطلبه من تفاهمات تمنع تل أبيب من التلاعب على المسارين الفلسطيني والسوري.
هناك ثانياً الملف العراقي وتتضمن أوراقه موضوع الانسحاب والتموضع وإعادة الانتشار الأميركي والآليات المطلوبة عربياً لضمان وحدة بلاد الرافدين وتعبئة الفراغات الأمنية ومنع الجماعات الأهلية من الانزلاق نحو مصادمات مسلحة تهدد استقلال العراق وسيادته. وموضوع النفود الإيراني في الميدان السياسي وكيف يمكن التعامل معه في إطار إعادة بناء الدولة العراقية وتجديد موقعها العربي ودورها في منظومة العلاقات الإقليمية. وموضوع المحافظة على هوية العراق العربية وما يتطلبه من توافقات تعيد ترتيب التحالفات ضمن إطار سلمي يضمن منع انهيار الدولة وتشرذم بلاد الرافدين إلى «دويلات طوائف».
هناك ثالثاً الملف السوداني وتتضمن أوراقه موضوع التعامل مع القرارات الدولية وما يصدر من أحكام قضائية تطلقها منظمات موازية تعرض مفاهيم «السيادة» للمراجعة أو التراجع أمام السياسات التدخلية. وموضوع ضمان وحدة السودان ومنع انزلاقه نحو فوضى أهلية تؤدي إلى إعادة هيكلة دولته وتوزيعها على أقاليهم تتجاذبها قوى إقليمية وجوارية. وموضوع أمن البحر الأحمر وما يتعرض له ساحل شرق إفريقيا (الصومال) من متغيرات متفاوته بين توجه لإعادة الدولة وتوجه يدفع باتجاه التفريط بالصومال وبعثرته إلى «جمهوريات» صغيرة تزعزع استقرار المنطقة وتهدد خطوطها التجارية.
هناك رابعاً الملف الخليجي وتتضمن أوراقه موضوع الأمن والاستقرار والهوية وكيف يمكن حماية النفط وخطوط الإمداد في ظل متغيرات دولية غير واضحة المعالم. وموضوع العلاقات مع إيران وبرنامج التعامل معها وما يترتب عنه من قراءات تأخذ في الاعتبار التوازنات الإقليمية ودور السياسة الدولية في زعزعة الاستقرار من خلال التلاعب على مراكز القوى ومواقعها الجغرافية والتقليدية. وموضوع الأزمة النقدية وانعكاسها على مشروعات التنمية وما تولده من اهتزازات أهلية بسبب سوق العمالة الوافدة المفتوحة على أبواب مجهولة.
الملفات الأربعة تبدو مترابطة لكونها تتحرك تحت سقف الأمن والاستقرار والتنمية ومنظومة العلاقات الإقليمية في منطقة الخليج وساحل البحر الأحمر. وكل الملفات تشتمل على أوراق كثيرة كبيرة وصغيرة. فالملف الفلسطيني يطرح مسألة الوحدة والتقارب بين الفصائل لضمان عدم انهيار المؤسسات (منظمة التحرير الفلسطينية مثلاً) والمحافظة على المكتسبات حتى لا يفرط بالموجود ولا يأتي الموعود. والملف العراقي يطرح مسألة الدور العربي وقدرته على التنافس ولعب دور إقليمي في حماية الأمن وما يتفرع عنه من قنوات تمتد إلى لبنان أو الأردن أو غزة. والملف السوداني يطرح مشكلة التوفيق بين المعايير الدولية والمفاهيم القومية وما يترتب عليها من تداعيات تتجاوز الكثير من المهمات والوظائف التي تأسست عليها جامعة الدول العربية. والملف الخليجي يطرح مسألة العلاقة بين النفط والأمن ودور الأمن في ضمان استمرار التنمية ومدى قدرة التنمية على حماية الاستقرار تحت مظلة إقليمية تشهد متغيرات يرجح أن تتلون بتوترات لها صلة بالموقع والنفوذ والطموح.
الملف الخامس
هناك الكثير من الملفات الصغيرة الأخرى التي تتقاطع عمودياً وأفقياً مع النقاط الأربع المركزية. ولكن المجموع العام يخضع في النهاية لفكرة المصلحة العربية وما تتطلبه من قراءات تستهدف إعادة تأسيس موضوع المصالحة العربية على قواعد عملانية ترتب الأولويات وفق جدول زمني يعتمد آليات تتابع وتلاحق الملفات ولا تكتفي بإصدار بيانات ختامية تبقى مجرد فقرات مطبوعة على الورق. فالتحديات أخذت تتنوع وتتوسع جغرافياً وإقليمياً ولم يعد بإمكان دول الجامعة العربية الاكتفاء بالشجب أو التعامل الموضعي مع المشكلات من دون ربط بين الملفات وما يترتب عنها من تداعيات تستوجب رؤية عامة تخترق حدود كل دولة.
مصلحة الدول العربية أخذت تضغط باتجاه الربط بين الموضوعات والمشكلات وتغليب المشترك وتجاوز النزعات القطرية (الكيانية) باعتبار أن التحديات ليست داخلية فقط وإنما هي مجموعة حلقات مترابطة في سلسلة من العلاقات الدولية والإقليمية. والترابط في المشكلات يستوجب التفكير في حلول مشتركة لمختلف الملفات ترتب القضايا في جدول من الأولويات تبدأ في فلسطين وتنتهي في الخليج. وشبكة الأولويات لا يمكن أن تتحصن من دون توافق عربي يضمن عدم انهيار الزوايا لأن كل الدول ستكون متضررة ومعرضة للاضطراب وعدم الاستقرار.
المصلحة إذاً تقتضي المحافظة على مؤسسات جامعة الدول العربية وتطويرها وتحديثها وإعادة هيكلتها حتى تكون جاهزة للصد وتمتلك وسائل التكيف والرد على التحديات. هناك حاجة فعلية للجامعة العربية وهي متأتية هذه المرة من مجموعة عوامل لاصلة لها بأفكار «قومية» أو مشاعر أخوية أو ثقافة تقليدية متوارنة وإنما من ضرورات واقعية تتصل مباشرة بالأمن والهوية والدور والموقع والوظيفة. ومجموع هذه النقاط هي نتاج التطور العام في العلاقات الدولية وما تقتضيه من تعديلات في أنظمة الحماية الإقليمية والأنشطة الاقتصادية وانفتاح الأسواق وتنافسها وتضاربها وتداخل التجارة وأنماطها واتصالها بمؤسسات المال وشروطها. كل هذه العناصر الدولية (العولمة) أعطت شرعية إقليمية لجامعة الدول العربية وبررت وجودها وربما تساهم من دون قصد في تعزيز موقعها ودورها في فترة أخذ «التدويل» يرفع من درجة تدخله في شئون كانت المفاهيم السابقة تضعها تحت بند السيادة.
الجامعة العربية جاء وقتها بعد طول انتظار. وأهمية وجودها أصبحت مسألة ضرورية في عالم التكتلات الإقليمية الكبرى. وهذه النقطة لابد أن تتحول إلى ملف مستقل يحتاج إلى قراءة جديدة تعيد أحياء مشروع فكرة تعطل تطوره خلال عقود بسبب نمو النزعات الكيانية (القطرية) على حساب المصلحة المشتركة وما تقتضيه آليات السوق من انفتاح وتنسيق وتعاون.
المحافظة على الجامعة العربية وعدم التفريط بها كمؤسسة إقليمية والعمل على تطويرها وتحديثها وهيكلتها تشكل في المجموع أوراق ذاك الملف الخامس الذي لابد أن يضاف للبحث والدراسة إلى جانب الملفات الأربعة التي يحتمل أن تناقش في قمة الدوحة التي تعتبر مفصلية بسبب توقيتها وظروفها واتصالها بتلك الفضاءات المتحولة دوليّاً وإقليميّاً.
الوسط البحرينية
التصنيف: