شواطئ العلم الجديد
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] د.خالص جلبي [/COLOR][/ALIGN]
خضعت معرفتنا بالإنسان والكون والأرض والتاريخ إلى رحلة تطورية لا تعرف التوقف أو التعب. نحن نرى شروق الشمس كل يوم ولكننا نعرف عن عمر الشمس أنه خمسة مليارات سنة، بعد أن كشف كل من \”هانس بيته\” و\”فردريك فون فايتسكر\” أن وقود الشمس غير تقليدي، وأنها ماضية في عمرها خمسة مليارات سنة أخرى. وترى عيوننا في المتوسط في السماء الصافية ثلاثة آلاف نجمة ملتمعة، لكن تلسكوب \”كوب\” و\”هابل\” دفع الرقم إلى مائة مليار مجرة، في كل مجرة مائة مليار نجم من نوع نظامنا الشمسي. نحن نقضم التفاح ونلتهم الموز مثل أي قرد، ولكن معرفتنا اليوم تقول إن كل نبات وطير ودابة مكون من حشد مرصوص من الخلايا، كوحدات أولية؛ بل إن وجودنا متوقف على تكرار نسخ وجودنا، بواسطة لغة أساسية مرصوفة في نواة كل خلية على شكل كروموسومات، هي سر الخليقة والكود الوراثي.
الذهب والنحاس عنصران في الطبيعة ضمن سلم تدرجي للعناصر يبدأ من الهيدروجين برقم واحد، ليصل إلى اليورانيوم بـ 92 بروتون في نواة الذرة. لكن المعرفة الفيزيائية قفزت اليوم في البناء الذري إلى أن هناك مكونات دون ذرية تصل إلى 24 من كواركز ولبتونات، بل يدفعها العالم \”جون ويلر\” إلى نظرية الأوتار الفائقة، والمكون المتعدد على شكل فقاعات متعددة، للبحث عن رقم 25 الذي تنبأ به الإسكتلندي هيجز قبل 40 سنة، ويحاول معهد \”سيرن\” في نفق ممتد بين فرنسا وسويسرا بطول 27 كم من استحداث نار الانفجار العظيم بدرجة حرارة 2 بليون درجة، العثور عليه.
كنا نعتقد ببديهيات مثل الزمان والمكان والطاقة والمادة. ويظهر الآن أن الزمن بعد سحقه إلى الفيمتو ثانية لا يشكل عملة موحدة في الكون، بل هو مرتبط بالسرعة والكتلة، فمن اعتلى ظهر شعاع الضوء تجمد الزمن. ومن كان على كتلة عرضها السموات والأرض دخل باب الخلود.
ولم يبق المكان والأبعاد الثلاثية كما هي في النسبية، بل تسحق إلى بعد واحد. أما القوانين فقد أدخل مبدأُ الارتياب إليها اللاموضوعيةَ واللاحتميةَ.
وتكسرت هندسة أقليدس التقليدية كما في قصة الخط المستقيم، وتحطمت على يدي ريمان ولوباشوفسكي. وخُذل الشيطان حين قال أنا خير منه فأنا طاقة وهو مادة، إذ تبين أن الطاقة والمادة وجهان لحقيقة واحدة، بل إن المادة طاقة مكثفة مضغوطة في حيز صغير. وبذلك خر سقف فيزياء نيوتن التقليدية، في الأبعاد الخمسة، الزمان والمكان والقوانين والطاقة والمادة، وأصبحت النسبية تقدم العالم في أربعة أبعاد، بل دفعها علماء الفيزياء إلى أحد عشر بعداً. كنا نظن أن عمر الإنسان على وجه الأرض بضعة آلاف سنة، وقدرته الكنيسة ذات مرة بـ 4000 سنوات قبل الميلاد! فتبين أنها بضعة ملايين من السنين، ثم جاء آخر كشف علمي لبقايا الإنسان في تشاد ليرفع الرقم إلى سبعة ملايين سنة. وعرفنا أن شكلنا الحالي هو آخر موديل أنتجته الأرض، ولن يقف التطور عندنا فقد يستبدل قوماً غيرنا. لقد مر من قبلنا ما لا يقل عن درزن من \”الأناسي\”، اختفت كلها، وكان آخرها نياندرتال الذي عمر أوروبا والشرق الأوسط ثم اختفى قبل 35 ألف سنة بسبب مجهول، وقد ينقرض جيلنا بسبب معلوم. ونحن نعرف اليوم أن رحلة الإنسان بدأت من حيث انتهى أوباما، في شرق إفريقيا، وكان ذلك قبل 200 ألف سنة، بظهور الإنسان الناطق، والذي انتشر في الأرض، ليصل إلى بتاغونيا قبل 12 ألف سنة، وتعرض قبل 75 ألف سنة إلى محنة كونية بانفجار بركان كراكاتو حيث تغيرت الحياة تماماً، ومات معظم البشر إلا بضعة آلاف تابعت رحلة ما بعد طوفان نوح القديم.
صحيفة المغربية
التصنيف: