من مظاهر التخلف عند بعض المثقفين

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبد الرحمن بن محمد الأنصاري[/COLOR][/ALIGN]

إذا كنت تبحثُ عن دعاة الإصلاح ، وحُماة المجتمع من الانحلال والفساد ، فإنّ البحث لن يطول بك عن أولئك الأخيار المهمومين دوما بهموم الناس والمشكلات التي تحول بينهم وبين السعادة بمفهومها ومعناها الحقيقي وغير المجازي . . ومع تعدد وسائل الإيصال والاتصال اليوم ، فإنك عندما تحدوك الرغبة للتعرف على أولئك الأخيار بأعيانهم ، فإنك ستجدهم حتما وفي أكثر من موقع ، على المنابر في المساجد والمنتديات ، وعلى صفحات الصحف، بكتاباتهم التي ترشد إلى مكمن الزلل والخلل في المجتمعات، فأصبحت أقلامهم العين التي يرى ولاة الأمر من خلالها الأمور على حقائقها ، بعيدا عن تزويق المزوقين وتزلف المتزلفين . . فالرسالة التي يضطلع أصحاب الأقلام الصادقة اليوم بحملها ، هي رسالة من أنبل الرسائل ، ومسؤولية من أخطر وأشرف المسؤوليات . . ولكن السؤال هو : متى يكون ذلك كذلك ؟ والجواب سهلٌ وهو : عندما يستشعر حملةُ تلك الأقلام، حجم وعظم وخطورة الكلمة و مسؤوليتها، وأثرها الذي هو أمضى من كل ما عداه . . ومع ذلك كله ، فإنّ الفاجعة ستأخذك في مقتل حين تجد جمهرة من المُصَّنَفين على أنهم من فئات المثقفين وأرباب تلك الأقلام ، الذين تطالعك كتاباتهم وتنظيراتهم صباح مساء برؤيتهم وتقويمهم للأمور التي يرونها معوجّة ،وإقرارهم للأخرى التي يرون أنها على سَننِ الهدى الإصلاح والرشاد ، واقتراحهم للاقتراحات التي يرون أنّ الكمال بدونها ضربٌ من ضروب المستحيل . . . فعندما تغشى منتدى من منتديات أولئك الأخيار، أو مجلسا من المجالس التي تضمهم ، ويكون مسرحا لتنظيراتهم ، فتجد سوادهم الأعظم منكبّاً على ما تنهى عنه كتاباتهم ، مثل التدخين المقيت الذي ثبت بما لا يقبل جدالاً ، أن أضراره تتجاوز المدخن إلى غيره .
وإنّ مما يؤلم حقاדָ ويبعث على التقزز ، حين ترى هذا المثقف الذي تدعو كتاباته على الدوام إلى السلوك القويم ، تراه ممسكا بذلك الثعبان ( ليّ الشيشة ) الذي يتجرع من خلاله سموم النيكوتين ، وكأنّ أفكاره النّيّرة لا تواتيه ، إلاّ حين يغرس رأس ذلك الثعبان في فمه ، بعد أن تداولته أفواه الكثيرين قبله في منظر لا يمكن وصفه إلاّ بالتخلف بمعناه الحقيقي .
لقد سلّم الله وعافى من تلك الآفة ، الكثير من منتديات المعرفة في بلادنا ، التي كانت لي صلة بها ، ولا تزال لي ببعضها ، كأثنينية الخوجة ، وأحدية العشقي ، ومجالس العلم ومنتدياته في طيبة الطيبة . . . أما منتديات المعرفة في المنطقة الوسطى ، العاصمة الرياض تحديدا ، فإنّ الله قد سلّمها وعافى روادها من تلك المظاهر غير الحضارية في ساحاحتها ، مناظر الشّيش وليّاتها ، و \” السّدادات \” أو \” اللّهايات \” التي يحشو بها رواد تلك المنتديات أفواههم ويسدونها بها ، كما هو الحال مع الأطفال الرّضع الذين ، يجري إسكاتهم وإلهاؤهم باللهايات والسّدّات التي تمنعهم من البكاء أو الصّراخ . .
وأمّا ما يستعصي عليّ فهمه أو استساغته ، فهو أن أكون في أحد تلك المجالس التي تضم أصنافا من المثقفين ، وممن أوقفوا أقلامهم للإصلاح ـ كما يدّعون ـ فأجد واحدا منهم أو أكثر ، لم يفارق ليُّ الشيشة فمه ، إلاّ ليعود إليه بعد أن أنتقل ذلك اللّي من فم إلى فم ليستقرّ فيه ، ومن فمه إلى فم من جاره بعد ذلك ، ثم في صباح اليوم التالي ، أجد ذلك ( المصلح ) بعينه قد كتب مقالا عن أضرار التدخين ، وكيف أنّ الأمم المتقدمة ، قد تقلّصت أعداد المدخنين فيها ، في حين أن أعدادهم في بلدنا وفي بلدان العالم الثالث ، إنما هي في زيادة مطردة . . !
[ALIGN=LEFT]alansari 1 @hotmail . com[/ALIGN]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *