شذرات

‏ وسيلة الصمت

هل أبدو لك شخصا قويا؟
‏بمعنى إنه منذ الثامنة عشر وقفت هذه الحياة في وجهه،
ثم صمد أمامها، كرجل في الثلاثين من عمره!
‏كنت أظن أن مرور الأيام، ببساطة هو تجاوز كل تلك اللحظات المؤلمة، ونسيانها.
‏لكنها وبعد تلك السنين مرّ كل شيء،
وبقيت أنا، كأسفنجة تترسب فيها بقايا الذكريات.
‏أتذكر ذلك الشعور، حين أحسست لأول مرة بالحزن، كانت اللحظة أشبه بالحُلم.
‏أتذكرها كما هي الآن، شعرت بأني كبرت فجأة، وكأن الشيخوخة طرقت أبوابي.
‏انتظرت على أمل أن أصحو من هذه الصدمة، انتظرت طويلاً، ولم يحدث شيء.
‏بل أن شحوب أيامي يزداد!
‏ومحاولاتي لإنكار هذا الحُزن أشبه بطرق مسمار في روحي لن ينتشله الا الزمن.
‏إنه موقف يصعب أن أتعامل معه.
‏فلا أحد بالقرب مني، لا أحد تتشبث عيناي به.
ترجوا إجابة منه أن كل ما يحدث مجرد حُلم.
‏كنت أحاول دائمًا أن أعود لنقطة البدء، لكن لا أملك من أمري شيئًا.
‏أزدادُ حزنًا يومًا بعد يوم. فالحزن أحمق، ولا أحب أن أكون كذلك.
‏فاتخذت الصمت كوسيلة لتُخرس كل هذه الحروب القائمة.
‏لأني لا أعلم كيف يُصاغ هذا الذي يحدث في الروح؟
‏ولا كيف تُترجم هذه الانهيارات المتتالية فيّ وجسدي ثابت كالجبال!
‏وماذا عساه أن يفعل شخص متعب، يائس ومقهور؟
‏يعجنه الحزن، ويلتهمه البؤس وهو ساكن، ومستسلم!
‏يقف كجثة هامدة أمام هذه الزلازل التي تحدث تحت قدميه.
‏يسقط الكثير منه ولا يحرك ذلك ساكنًا منه!
‏في سابق عهدي، كانت الأيام كفيلة بأن تُزيح كل ما يَعلق بي،
تجعلني أتجاوز كل هذا وهي ممُسكه بكلتا يديّ.
‏لكنها اليوم، تخلت عني،شعرت إن الأرض كُلها مُطبقه على قلبي.
‏تبعثرت اشلائي هنا وهناك.
‏لطالما كنت لا أقوى على مواجهة نفسي.
‏أحتاج شيء يُخرجني من هذه التعاسة،
‏من هذا الإحساس الذي يرتكب فيّ أبشع مهاراته.
‏أحتاج أن لا أشعر، أن أتبلد، أن أُشفى، أن أُنسى،
‏أن يحدث ما يحدث ويتركني سدى.
‏قضيتي ليست في أنهم يتغيرون، لكنهم ينسون!
‏ينسون يا الله كل شيء ولا يُبالون، ‏ينسون حتى تلك اللحظات الصادقة
التي كادت تفنى فيها أعمارهم! ينسون، بينما أنا أتمزق.
‏وفي حين تمر علي الليالي طويلة، وحيد، حزين وهالك.. ‏كانت تمر عليهم كليلة عُرس!
‏لماذا تحدث كل هذه الفوارق بيننا؟ ولماذا أتحمل خساراتنا وحدي؟
‏لماذا أراهم في كل مرة يتجددون في خلاياي، وأنا منسي، ومُهمل؟
‏يُحزنني أن أرى هذه المسافات تمتد بيننا، يُحزنني أن أكون قليل حيلة.
‏يُحزنني أن أرى الخوف وقد امتد الى كل شيء.
‏يُحزنني أن في النهاية أن لا يكون ما بيننا الا الصمت، والفراغ.
‏مؤسف أن تكون كل أُمنياتك، أن تمضي هذه الأيام كيفما مضت.
‏أن يختفي كل ما حولك، ‏وفي الوقت ذاته تشعر بأنك غير قادر على المضي.
‏غير قادر حتى على أن تعفو وتصفح، غير قادر على أي شيء.
‏فتُغلق كل هذه الأبواب، على أمل أن تَنسى، على أمل أن يهدأ ضجيج روحك.
‏على أمل أن يحدث الله أمرا.
بقلم / انا مَيّ. اوكي؟
@_bellemai

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *