أرشيف صحيفة البلاد

ولي العهد في لندن.. نجحت الزيارة وسقط المرجفون

كتب : محمد الجهني

لم يكن شكل وهيئة ومستوى الاستقبال الذي حظي به ولي العهد صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان في بريطانيا مستغربًا، فتلك حال لم تتجاوز ما كان متوقعا ومأمولًا، قياسًا لثقل المملكة العربية السعودية الدولي، ومكانتها المرموقة، وسلوكها السياسي الحكيم، واهتمامها بالتنمية وحقوق الإنسان؛ بغض النظر عن أصوات نشاز، ومحاولات التشويه المقصودة المدفوعة بالأحقاد، في إطار حملة سافلة تقودها مجموعات استمرأت الانقضاض على الناجحين، ومحاربة كل من يقف في وجه الأهداف التدميرية التي قضت على الأخضر واليابس في كثير من عواصم العالم العربي.

بريطانيا العظمى تدرك – دون شك – حجم ومكانة المملكة العربية السعودية الدولي، ولهذا كان استقبال سمو ولي العهد لائقًا، ويؤصل لشراكة حقيقية، تحدث عنها كبار المسئولين البريطانيين، فيما أفردت كافة المنصات الإعلامية، بمختلف توجهاتها مساحات واسعة، للحديث عن أهمية الزيارة للبلدين الصديقين في إطار الندية والمصالح المشتركة، خاصة أن المملكة العربية السعودية، ذات ثقل سياسي واقتصادي واجتماعي كبير، أهلها لتبؤ مقعد رفيع بين العشرين الكبار في العالم.
نجحت زيارة سمو ولي العهد لبريطانيا نجاحًا مبهرًا، فخلّف هذا النجاح ألمًا مبرحًا للمراهنين على فتح الثغرات؛ للتقليل من قيمة ونتائج الزيارة، فخسئوا، وخابت آمالهم. بل خسروا الرهان، وضاعت أموالهم أدراج الرياح، بعد أن تأكد للقاصي والداني، أن الدسائس تبوء بالخسران والفشل الذريع، وأن الحق يظل شامخا مرتفعا، عن تأثير الصغائر، وأن المملكة تشق طريقها نحو الرفعة والتقدم، وأن المنهج السعودي محل إعجاب وتقدير، وأننا مقدمون على نهضة شاملة، تسر الصديق، وتكدر أمزجة الأعداء.. فثقل المملكة ومكانتها العالمية بات أمرًا مستفزًا لإعلام الحاقدين.
لم تكن زيارة سمو ولي العهد، إلا محطة من محطات الفخر والاعتزاز، فنتائجها المبهرة تعود بالنفع على البلدين، والشعبين الصديقين في حاضر ومستقبل الأيام، شأنها شأن زيارات مماثلة ترمي لتعزيز العلاقات، فيما يعود بالنفع على مستقبل الأجيال، ولا أدلّ على ذلك من الاهتمام، الذي أبدته ملكة بريطانيا العظمى، ورئيسة الوزراء وكافة المسئولين، والسواد الأعظم من المحللين السياسيين، والكتّاب، وعامة الشعب البريطاني، ولنا – دون شك – الفخر والاعتزاز، حيال ما لمسناه من اهتمام ورعاية بريطانية، تجلت بهيبة وعظمة الاستقبال، فقلما يحظى زائر للندن بمثل هذه الحفاوة في إطار رؤى مشتركة، وأهداف واضحة للمملكتين الصديقتين ، بعد أن أفضت الزيارة الكريمة لحوارات صريحة جادة، ودشنت لعلاقات استراتيجية واضحة، تعتمد على الأفعال قبل الأقوال.
لعلنا نستعرض في عجالة أهم مخرجات تلك الزيارة الناجحة، ونشير إلى أن المملكة العربية السعودية الحريصة على تأصيل وتحديث العلاقات الدولية، نجحت في تحديد آليات التعاون الاستراتيجي في كافة مجالات الحياة مع المملكة المتحدة، وحققت المبتغى فيما يؤصل لعلاقات المصالح المشتركة، خاصة في مرحلة الخروج البريطاني من مظلة الاتحاد الأوربي المؤدي لاتساع دائرة البحث عن شركاء مقابل النهضة الإصلاحية الشاملة، التي تعيش المملكة تفاصيلها لحظة بلحظة، ولهذا اتفق البلدان على التأسيس لعلاقة متينة تؤدي لجذب الاستثمارات المتبادلة، وتحدد آليات العمل المشترك لتبادل الخبرات.
وحمل البيان الختامي الممهور بتوقيع المملكتين، تأكيد بريطانيا دعمها القوي لرؤية المملكة 2030، وبرنامجها للإصلاح الاقتصادي، الهادف لتنويع مصادر الدخل.
وكان سمو ولي العهد، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، قد أطلقا مجلس الشراكة الاستراتيجية السنوي؛ ليكون آلية رئيسية لحوار منتظم، يعزز جوانب العلاقة الثنائية، بما في ذلك المجالات الاقتصادية والدفاع والأمن والمساعدات الإنسانية والمواضيع الإقليمية والدولية.
واتفق الطرفان على خطة تنفيذ لتحقيق هذه الشراكة الاستراتيجية، ومتابعتها في اجتماعات أخرى خلال عام 2018.
علاوة على التزام البلدين بشراكة طويلة الأجل، لدعم تحقيق رؤية 2030 ؛ بحيث تشمل مجموعة من المجالات بما في ذلك: تقييم الفرص والاستثمارات المتبادلة مع المملكة المتحدة من قبل صندوق الاستثمارات العامة، والتجارة البينية بين البلدين، والمشتريات العامة من القطاع الخاص للمملكة المتحدة في المجالات الأولوية لرؤية 2030، بما في ذلك: التعليم والتدريب والمهارات، والخدمات المالية والاستثمارية، والثقافة والترفيه، وخدمات الرعاية الصحية، وعلوم الحياة، والتقنية والطاقة المتجددة، وصناعة الدفاع.
ومن المتوقع أن تبلغ هذه الفرص مجتمعة ما يصل إلى 100 مليار دولار على مدى 10 سنوات، ويستهدف من ضمنها صندوق الاستثمارات العامة استثمارات مباشرة، تهدف إلى أن تصل إلى 30 مليار دولار.
وكان للتعليم نصيب الأسد في مباحثات الجانبين، إذ اتفقا على التعاون المشترك في المجالات المختلفة، والاستفادة من الخبرات والتجارب البريطانية، في دعم تطوير التعليم في المراحل المبكرة. وقد عينت المملكة المتحدة السير أنطوني سيلدون، ليكون مبعوثا خاصاً للتعليم لدعم رؤية 2030. كما عينت المملكة المتحدة السير مايك ريتشارد مبعوثا خاصا لها للرعاية الصحية.
وإدراكاً من المملكة العربية السعودية، بمدى الخبرة البريطانية في الرعاية الصحية، اتفق البلدان على تعزيز التعاون في هذه المجالات من خلال مذكرات تفاهم بين البلدين في مجالات التدريب، والرعاية الصحية الأولية، والاستثمار الصحي، والصحة الرقمية، وغيرها من المجالات.
بدورها، أبدت بريطانيا اهتمامها بالتعاون والعمل للمشاركة في الفرص الكبيرة، التي نتجت مؤخراً من التغييرات الإيجابية في مجالات الثقافة والترفيه في السعودية، فيما أكدت المملكة ثقتها بالدور الريادي والخبرة العريقة، التي تمتاز بها المملكة المتحدة في صناعة الإبداع والترفيه والثقافة، والحفاظ على الموروث الوطني، وقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين البلدين في هذا المجال. كما تم توقيع اتفاقية تعاون ثقافي، يتم من خلالها التعاون في تطوير، وحماية المحتوى الثقافي.
ولإيمان بريطانيا بتأثير المملكة الاقتصادي، وحاجة لندن لشريك قوي ، بعد خروجها من الاتحاد الاوربي، تعهدت الأخيرة بالعمل مع المملكة؛ لتحقيق أهداف التصنيع، وتنمية رأس المال البشري.
وأطلق الجانبان حوار الطاقة والصناعة الوزاري السعودي – البريطاني، وتم توقيع مذكرة تفاهم حول الطاقة النظيفة، وأعلن البلدان رغبتهما بالتعاون في عدة مجالات رئيسية ذات أولوية، ومن ذلك التعامل مع تحديات النمو النظيف، والذكاء الاصطناعي.
كما أعربت المملكة المتحدة عن اهتمامها القوي بمشروع مشروع مدينة “نيوم”. واتفق البلدان على العمل معاً لتحديد طرق استخدام الخبرات والابتكارات البريطانية (بما في ذلك القطاع الخاص) لتطوير “نيوم” وبناء المهارات والقدرة والخبرة في المملكة العربية السعودية.
واتفق البلدان على تبادل الخبرة البريطانية في مراكز النمو لتسريع الأعمال التجارية، منوهين بالإمكانات والفرص الهائلة لرواد الأعمال والمبدعين في البلدين، وكذلك الفرص التي يتيحها الاستثمار في المملكة العربية السعودية.
ولأهمية التنسيق المشترك في الجوانب الأمنية، شدد البلدان على أهمية العلاقة الدفاعية والأمنية، ودورها في تحقيق الأمن الوطني المشترك، والاستقرار الإقليمي، منوهين بالعلاقة الدفاعية الاستراتيجية، التي بدأت منذ ما يزيد عن نصف قرن، بما فيها التعاون الأمني في قضايا مثل: مكافحة الإرهاب وتمويله، وتطوير قدرات مشتركة، وتقوية الأمن الإقليمي، مشددين على أهمية استمراره وتعزيزه؛ حيث إن التعاون المستمر سابقاً نتج عنه حفظ أرواح في كلا البلدين، وغيرهما من المناطق في العالم. كما تعهد البلدان بشراكة أكثر عمقاً تشمل توسيع الشراكة لمواجهة التحديات الجديدة، بما يشمل التعاون الاستراتيجي في مجال الأمن السيبراني، وقد تم توقيع اتفاقية إطارية حول التعاون الاستراتيجي في مجال الأمن السيبراني بين البلدين.
وأعلن البلدان عزمهما تركيز الجهود لمكافحة الارهاب والتطرف من خلال تبادل المعلومات، وفهم الطرق التي يسلكها الإرهابيون والمتطرفون للتأثير في الفئات الضعيفة، والعمل سويا لحماية الناس بفاعلية من الدعايات المغرضة السامة، التي يستخدمها الإرهابيون لنشر التطرف، وتجنيد الناس لأجندتهم. وثمنت بريطانيا جهود وقيادة المملكة في تعزيز التسامح والحوار بين الأديان، وتأسيس المبادرات المتعلقة بمكافحة الفكر المتطرف، و”مركز اعتدال” الذي يمثل مرجعاً عالمياً في رصد وتفنيد الفكر المتطرف، واتفق البلدان على تبادل أفضل الممارسات وتحديد فرص المبادرات المشتركة لمكافحة الدعايات الإرهابية المغرضة، بما في ذلك الحملات باللغة الإنجليزية.
وأعربت بريطانيا عن تقديرها لجهود المملكة في مجال مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع تمويله؛ من خلال إعلانها عن تأسيس التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، ومقره الرياض بعضوية 41 دولة إسلامية. معربة عن ارتياحها بأن تكون أول دولة داعمة، توقع إعلان ارتباط مع التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في مبادراته لمحاربة التهديدات من الإرهاب والتطرف العنيف في مجالات العمل الأربعة: الفكري، الإعلامي، مكافحة التمويل، والجانب العسكري. كما أشادت المملكة المتحدة، بقيادة المملكة العربية السعودية لتأسيس المركز الدولي؛ لاستهداف تمويل الإرهاب في الرياض.
ووقع الجانبان على عدد من مذكرات التفاهم لتعميق أوجه التعاون والشراكة بينهما، من خلال نقل وتوطين التقنية والمشاركة الصناعية بين القطاع الصناعي الدفاعي، وتوفير التدريب، وبناء شراكة في مجال البحث والتطوير على المستوى الحكومي والصناعي في البلدين، وتقديم الاستشارات الفنية لبرنامج التحول لتطوير وزارة الدفاع؛ كما تتضمن توقيع مذكرة إعلان نوايا عن رغبة الجانبين في استكمال المناقشات بينهما، للتوصل إلى اتفاق لحصول المملكة على 48 طائرة تايفون إضافية.
واتفق البلدان على زيادة التعاون في أمن الطيران. وعبرت بريطانيا عن تقديرها للشراكة مع المملكة في أمن الطيران، وفي مواجهة التهديد الإرهابي المستمر ، التي تفي بالالتزامات بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2309. ونوه الطرفان بأهمية خطة أولوية العمل الموقعة مؤخراً بين الجانبين؛ من أجل زيادة تطوير معايير أمن الطيران.
واتفق البلدان على مواصلة التعاون الوثيق فيما يتعلق بالأمن الدولي والتنمية الوطنية والمسائل الإنسانية. ووقع الجانبان اتفاقيات تعاون؛ من أجل تمكين تقوية الاستجابة للتحديات الإنسانية والتنموية والإقليمية والعالمية. وكجزء من هذه الشراكة، تعهد البلدان بمبلغ 100 مليون جنيه استرليني لصندوق مشترك لدعم سبل المعيشة والازدهار في القرن الإفريقي، وشرق إفريقيا.
وحظي الملف الإيراني بأهمية؛ إذ أكد البلدان على ضرورة التزام إيران في المنطقة بمبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بما يتماشى مع الأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وضرورة اتخاذ إيران خطوات ملموسة وعملية لبناء الثقة.
كما كان الملف اليمني أيضا حاضرا في المناقشات، إذ أكد البلدان على أهمية التوصل إلى حل سياسي للأزمة في اليمن على أساس مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليات تنفيذها، ونتائج الحوار الوطني اليمني وقرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي سيقود إلى حل سياسي، يكفل أمن اليمن وسلامة أراضيه.
وبشأـن القضايا الملحة في الشرق الأوسط، تطابقت وجهات نظر البلدين في مختلف الملفات، سيما حول كيفية تحقيق السلام في المنطقة، إذ أعاد البلدان تأكيدهما على الالتزام بحل الدولتين، بناء على مبادرة السلام العربية، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وهنأ البلدان الحكومة العراقية على التقدم والنجاح الذي حققته ضد داعش. وأبدت المملكة المتحدة دعمها القوي لتحسن العلاقات بين المملكة العربية السعودية، والعراق، بما في ذلك إعادة فتح المعابر الحدودية والطرق التجارية، واستئناف الرحلات الجوية المباشرة، ودعم إعادة بناء العراق.
وأكد البلدان دعمهما لعملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة، ولحل سياسي يستند إلى بيان جنيف (1) وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. واتفقا على ضرورة تنفيذ وقف إطلاق النار على وجه السرعة، على النحو المطلوب في الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم 2401، للسماح بتسليم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة والإجلاء الطبي.
وعبر البلدان عن دعمهما للحكومة اللبنانية، وأهمية تمكينها من بسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية، ونزع سلاح ميليشيا حزب الله، والتصدي لدورها المزعزع للاستقرار.