يوسف الزهراني
( مشكلة معظمنا أننا نفضل أن يدمرنا المديح علي أن ينقذنا الانتقاد )
” نورمان فينسنت بيل ”
كان في عهد اليونان القديم طائفة من الشعراء يجوبون البلاد ، ويتغنون بالقصائد الحماسية، والأناشيد الوطنية في الأسواق ، وبين أيدي الأمراء والعظماء ، فيكرمهم الناس، ويجلونهم ، ويجزلون لهم العطايا والهبات ، فحسدهم على مكانتهم هذه جماعة من معاصريهم ممن لا يطوفون في البلاد طوافَهم ، ولا يحظون عند الملوك والعظماء حظوتهم ، فأخذوا يعيبونهم ويكتبون الكتب في نقد حركاتهم وأصواتهم ومعاني أشعارهم وأساليبها ، وكان هذا أول عهد العالَم بالنقد ، فللحقد الفضل الأول في وجود النقد .وبعد :
يظل النقد الموضوعي الهادف إلى التصحيح حقا مشروعا وأسلوبا حضاريا مرحبا به ، خصوصاً عندما يكون مرتكزا على أصول نقدية موجهة للفعل لاللفاعل، مراعيا الألفاظ والعبارات والكلمات، بعيدا عن الإساءة للآخرين من خلال الدخول في نياتهم أو مقاصدهم أو محاولة التقليل من نتاجهم الأدبي بمجرد الخلاف، او الاختلاف معهم .
أما أن يأتي من يقول : إن النقد لا شروط ولا حدود له ، لا آداب ولا واجبات عليه ، ولكل الحق في نقد ما يشاء ، مصيبا كان أم مخطئا ، محقا أم مبطلا ، صادقا أم كاذبا ، مخلصا أم غير مخلص، مستحسنا أم مستهجنا ، أويأتي من يقول : كما هو الواجب على كل شاعر أو كاتب أن ينظم أو يكتب للأمة جميعها خاصتها وعامتها ، من الواجب أيضا على كل فرد من أفرادها متعلِّما كان أو جاهلاً أن يدلي برأيه في استحسان ما يستحسن واستهجان ما يستهجن , فذاك الحقد بعينه لا النقد .لتنطلق ألسنة الناقدين بما شاءت ، ولتتسع صدور المنتقَدين لها مااستطاعت ، فلا أقل من أن نتمتع بحرية الرأي.