ملامح صبح

وتد ..قبحا لهم..

بالنيابة – يوسف الزهراني

حتى الموت لم يعودوا يعيرونه اهتمامهم ..

بل وأسقطوه من حساباتهم بعد أن بات في نظرهم أشبه مايكون بحالة يؤدون خلالها شيئا من الطقوس غير المألوفة عندما ألبسوها لباسا ضيقا يذكرني بتلك التي يكتسيها الكثيرون من شباب وشابات زماننا العجيب والغريب هذا ..

نعم .. لقد تبلدت المشاعر وتحولت القلوب إلى خريف دائم كثيرا ما تتساقط فيه الأحاسيس ..

توفي شاب إثر حادث مروري مروع وعند السؤال عن موعد الصلاة عليه ومكان الدفن قيل لي إن الجثة لم تصل بعد إلى جده حيث أن الحادث وقع في منطقة تبعد عنها ما يقرب من ثمان مائة كيلو متر ولم يجد ذووه سيارة إسعاف لنقله إلى مثواه الأخير مما استدعى الأمر إركاب الجثة في سيارة غير مؤهله لركوب الأحياء فما بالنا بمثله في حاجة إلى إكرامه بطرق تليق به وبأقرانه الأموات !!..

إلى هنا والأمر أكثر من عادي لكن ما لم يكن عاديا ما رأيته أثناء تشييعه رحمه الله ففي الوقت الذي كان فيه ذوو المتوفي مشغولين بدفنه إذ بأحد المسؤولين يشق طريقه باتجاه إحدى زوايا المقبرة كي يستظل بظلها لحين الانتهاء من الدفن وإذا بأحدهم من ذوي القلوب الميتة يفز منتفضا تاركا القبر الذي كان يقف عليه ليولي وجهه قبلة ذلك المسؤول لتتوالى السيقان من كل حدب وصوب تاركين ما أتوا من أجله هذا يسلم على الخشم وذاك يطبطب وذلك يليس و..و..و.. لكن ( اللي يبط الكبد ) موقف أحد أصحاب تلك القلوب الكالحة في السواد وهو واقف إلى جوار ذلك المسؤول يوزع ابتساماته الصفراء ( للرايح والجاي ) ويداه مشغولتان بشماغه الذي أعياه من فرط رغبته في الظهور بشكل أكثر وسامة وكأني به يستعد لالتقاط صورة مع ذاك المسؤول !!..

هنا خيل إلي أن المشاعر استبدلت أماكنها وأصبح الحزن فرحا عارما .. والفرح حزنا عامرا.. لكن كيف سيكون عليه الوضع لو بات الأمر كذلك ؟!! ..سيقول المعزون لأهل الميت ( عقبالكم ) بدلا من ( أحسن الله عزاءكم ) !!..و( البقية في حياتك ) بدلا من ( بالرفاه والبنين ) فيما لو رزق أحدهم بمولود !!..والمظلوم سيدعي على من ظلمه بطول العمر!! ..والفريق المهزوم سيبارك لمن هزمه بل ويشد على يديه رغبة منه في أن يفوز عليه في المرة القادمة بدستة أهداف لا بهدف أو اثنين !!..والمنيل على عينه سيطوف الأرض فرحا !!..والناجح سيغرق في بكائه !!..وستتحول أفراحنا إلى مناحات .. وأتراحنا ستصبح مساحات شاسعة للضحك والقهقهات !!..ألا قبحا له.. لهم..
لكل متسول متوسل بطرق غير مشروعه..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *