شذرات

وباء .. الهياط

يُصاب المُتابع لوسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام بنوباتٍ من الغثيان من قسوة المشاهد التي تنقلها لنا صفحات الشبكة من هُنا وهُناك من زوايا مجتمعنا الذي طالما كان هادئاً رقيقاً تكسوه البهجة وتُغلّفه البساطة بين أفراده ؛ تلك المشاهد التي ما عادت حتى العقوبة القصوى ( القصاص ) تُمثل أيّ رادع فعلي لها .. ؛ مشاهد نمت وترعرعت بمُباركةٍ منّا كأفراد مجتمع من خلال تفعيل مُصطلح ” عِرقي ” قديم ولكنه بثياب إرهابٍ جديد ؛ أعني مصطلح ( الهياط ) .
في اللغة يُقال : هُمْ في هِياطٍ ومِياطٍ أيّ في شَرٍّ وجَلَبَة وقيل : في دنوٍّ وتباعد ؛ هذا في اللغة الفصحى ؛ أما في لُغتنا العامية فـــ عبارة ” مهايطي ” تُطلق على الشخص الذي يدّعي الكمال في كُل شيء ويدّعي الأسبقية والعلو فلا أحد أسبق منه للكرم ولا أحد أسبق منه للبطولات الرجولية ولا أحدٌ من الناس أفهم منه في المعرفة ولا أحد يجب أن يتقدم عليه في شيء؛ أصحاب ذلك المبدأ يتوهمون على الدوام بأنهم يخدمون قضيةً ما أو هدفاً سامياً لا تكتمل الرجولة إلاّ من خلاله ..!
**
ومن الثمار الفاسدة لذلك المصطلح البَذِيء ما أصبحنا نُشاهده من إسرافٍ من النِعم وفي موائد أفراحنا وفي مناسباتنا الخاصة ؛ فــ شخص لديه ضيفٌ واحد يُقدّم له ما يكفي عشرة رجال بداعي الكرم ” هياطاً ” لا حقيقةً ؛ بل وتجاوز الأمر سوء الأدب مع تلك النِعم إلى ما هو أبشع وأفضع وأشدّ ألماً ..إلى إزهاق الأنفس وهي أكبر الكبائر وتحويل مقاصد شريعتنا التي تأمرنا بــــ إعمار الأرض بالحياة إلى دمارها من خلال ” القتل” على أبسط الأسباب بل وأشدها تفاهةً ..!
فبذاءة اللِّسان التي تحُطّ من قيمة الإنسان…ليست كذلك عند ” أرباب الهياط” بل إن تحويل إختلاف بسيط في الرأي إلى مُشاجرة وسِباب حدّ القِتال تلك هي قيمة الرجولة عندهم فـــ أصبحنا على إثر كُل ذلك نسمع يوماً بعد أخر جرائم قتل لأسباب تافهة جداً فـــ هذا يقتل إبن عمه لإختلافٍ بسيط حول أمور دنيوية وذلك يقتل جاره لإختلافه معه في انتماء رياضي وأخر يقتل صديقة لدوافع شيطانية بدأت بنقاشٍ ” عُنصري ” ورابعاً يقتل عاملاً بسيطاً لأجل سلعةٍ لم تتوفر …!
**
والهياط ليس حِكراً على الرجال ؛ بل حتى الأنثى قد تجدها تتسمّر أمام المرأة لساعاتٍ طِوال تضع ذاك المكياج وتمسح الأخر وقد تذهب للسوق لتشتري لبساً جديداً لأن تلك الأكوام الموجود في دولاب الملابس في نظرها ” عيب أن تُلبس” ؛ وقد يستغرق الأمر إستنفاراً في المنزل في ذلك اليوم …..كُل ذلك من أجل ماذا …!؟ هل من أجل أن تحضر تلك الأنثى زفافاً فريداً … أم لتقوم بزيارة أُناس لأوّل مرة تلتقيهُم …” الإجابة لا ” بل كل ذلك من أجل أن تقوم تلك الأنثى ” المهايطية” بزيارة لجارتها التي كانت عندها قبل يومين فقط.
عتيق الجهني
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *