أرشيف صحيفة البلاد

هواية المتاعب على شواطئ البحر الأحمر

جدة – عبدالهادي المالكي

صيد الأسماك من أقدم الممارسات البشرية وأعذبها هواية، ففضلا عن أنها وسيلة للكسب بالنسبة لبعض الناس، فهي وسيلة لاكتشاف جماليات البحار، واكتناه المجهول فيها، والتعرف على كنوز الأعماق وأشكال الأسماك، وعلاوة على ذلك يوفر الصيد وسائل المتعة والترفيه، ناهيك عن أنه وسيلة لاكتساب عادات حميدة مثل الصبر والاعتماد على النفس، وغيرها الكثير من الفوائد التي تغري الكثيرين بالهوس بهذه الهواية، لا سيما مع تمتع شواطئ المملكة المترامية سواء على البحر الأحمر أو الخليج العربي بالعديد من الأماكن الخلابة، الصالحة لممارسة هذه الهواية.

ويعد صيد السمك بجدة من أكثر الرياضات متعة؛ فهي مدينة ساحلية من الطراز الرفيع، وبها العديد من المناطق الوفيرة بالأسماك على امتداد الشاطئ والكورنيش، ولذلك أصبح صيد الأسماك مهنة اشتغل بها العديد من الصيادين سواء من المواطنين أو المقيمين، وأعدادهم في ازدياد مطرد.

ونظرًا لذيوع هذه الظاهرة في جدة، فقد تجولت (البلاد) في كورنيش الحمراء، والتقت بعدد من هؤلاء الهواة سواء من المواطنين أو المقيمين وقال حسين، لبناني مقيم: “لم يمض علي سوى وقت قصير منذ أن شرعت في الصيد داخل المملكة، ولكن كنت أمارسها منذ الطفولة في لبنان، حيث إنني وجدت فيها متعة، لذلك دأبت على ممارستها، حتى غدت من أهم الهوايات المحببة لي”.

أما المواطن أحمد الزهراني، وهو من الصيادين الهواة المحنكين فقال : “إن الصيد على الشواطئ يصبح إدمانًا مع الوقت؛ لما فيه من المتعة، حتى وإن عدت لمنزلك بدون شيء، فالمحاولات المثيرة التي تقوم بها خلال فترة الصيد، سواء في الصباح الباكر أو في الأصيل حتى المساء، هي بحد ذاتها متعة حقيقية”.
وبالنسبة لدواعي الحيطة والسلامة التي ينبغي على كل صياد أن ينتبه لها، أردف الزهراني قائلا: “على الصياد أن ينتبه إلى طريقة رمي السنارة داخل الماء، وأن يكون الموقع المجاور له خالٍ من أي إعاقة سواء كان جمادًا أو حيوانًا مثل القطط؛ حتى لا تتعلق السنارة به، وعليه أيضًا أن يأخذ حذره حتى لا يصاب الأشخاص الذين بجواره بأي أذى”.

وفيما يخص إجراءات مرحلة ما بعد الصيد، يقول كل من فهد ورود وهما فلبينيان مقيمان، إنهما يوفران وجبتي الغداء أو العشاء من صيد الأسماك صباحًا ومساءً. وأضافا أن أكبر سمكة اصطاداها كانت من نوع “البياض” وكانت تزن 20 كيلوجرامًا. وأردفا قائلين أنهما يصطادان من أنواع الأسماك كلًا من أسماك “السيجان” و”الشعور” و”البياض”، وذكرا أنهما يصطادان “السرطان” و”الإستاكوزا” عن طريق الرمح أو شباك الصيد، ولكنهما لا يهتمان بهذين النوعين كثيرًا؛ لأنهما متعبان في الصيد.

وقال جير، وهو بنغالي مقيم، ويعد حديث عهد بمهنة الصيد، إنه يمارس الصيد لأول مرة في حياته، والذي أغراه بالإقدام على هذه الهواية، ما شاهده أثناء قضاء عطلة عيد الأضحى برفقة بعض بني جلدته؛ إذ كانوا جميعًا في رحلة في نفس الموقع الذي هو فيه، حيث كان رفاقه يصطادون كميات كبيرة من الأسماك المختلفة الأنواع والأشكال والأحجام وأضاف:”أعجبني ذلك، وقمت اليوم بشراء المعدات اللازمة، التي كلفتني قرابة مئتي ريال، ولكن لا يهم، لأن المتعة تستحق ذلك”. واستطرد: “لاحظت أن عملية الصيد ممتعة، وإن كانت متعبة ومرهقة، ولكن أعتقد أن في الأجواء الباردة خلال الأشهر القادمة سيكون الصيد ممتعًا أكثر”.

أما محمد بشاوري، فقد قضى ثلاثين عامًا في صيد الأسماك بالسنارة، متنقلًا بين شواطئ ساحل البحر الأحمر، حيث يقول: “بدأت هذه الهواية منذ أن كان عمري 18 عامًا”. وذكر أنه يصطاد أنواع كثيرة من الأسماك ومنها: “الشعور” و”البياض” و”الكنعد” (البركودا) و”العجمان” و”الحريد” و”السيجان”.

ومن المواقف الطريفة التي وقعت له خلال هذه السنوات الطويلة في صيد الأسماك، قال: “عندما كنت في “الليث” وأنا جالس على الشاطئ برفقة أخواني، حيث كنا نرمي في البحر ثلاث سنارات، وذهب أخواني يلعبون على الشاطئ، وجلست أنا عند السنارات، فجأة لاحظت أن السنارات الثلاث تتحرك، فأصبحت في حيرة ماذا أمسك منها، فكلما مسكت بسنارة، سحب السمك السنارات الباقية، فظللت أحاول، وفي النهاية سقطت إحدى السنارات داخل البحر والأخرى انكسرت وأمسكت بالثالثة”.

ويضيف إلى هذه القصة، موقفًا آخر يقول فيه: “ومن المواقف التي لا تنسى عندما كنت أصطاد في “الشعيبة” دخلت في الماء على مسافة عشرين مترًا، وأنا قابض على السنارة، وفي النهاية اكتشفت أنني أقف على نوع من أنواع السمك التي تسمى الرقيطة (اللخمة) وهي من أخطر أنواع الأسماك الذي له ذيل يدافع به عن نفسه بالضرب أو التسمم عن طريق ملامسته، وخلال ذلك الوقت كنت بمفردي، فقمت برمي السنارة في البحر بعد أن بدأت تتحرك تحتي حيث كان طولها تقريبًا ثلاثة أمتار وهربت إلى الشاطئ حتى لا أتعرض لضربة ذيلها”.