عتيق الجهني
من يطّلع على الإحصائيات الرقمية لأكثر دول العالم استخداماً وتعاطياً مع برامج التواصل الاجتماعي عامةً وهو لا يُحيط بتفاصيل مُجتمعنا ، يتوهّم أننا في مقدمة المجتمعات تطوراً ووعياً وحصانة ولو علِمَ الواقع لحزن على حالنا ؛ فكلما أنتج العالم مُنتجاً جديداً في أيّ مجال تجدنا نتسابق على التعرّف عليه ونشر الاستخدامات السيئة قبل الحسنة في ذلك المُنتج ؛ و السطر السابق محل اتفاق الجميع ولا أعتقد أن هناك من يخالفني الرأي ، فـنحن كمجتمع نتعاطى المنتجات الجديدة خصوصاً التقنية منها لهدفٍ غير محدود وغير محدد، في الوقت نفسه.
**
مؤخراً مثّل برنامج الدردشة «الواتس آب» جنباً إلى جنب مع ” سناب شات” الشُغل الشاغل والقاسم المشترك بين الناس خصوصاً في الإجازة الصيفية التي نقف على أخر أيامها ؛ فــُهناك من تفنّن في كشف خصوصياته بنفسه ونشرَ تفاصيل أسرار أُسرته منذ الصباح الباكر حتى آخر ساعات المساء وهُناك من النساء من أخبرت الغُرباء بآخر مُناسباتها وأفراحها وطباخاتها وزياراتها للأسواق والمطاعم وقاعات الأفراح ليبقى السؤال الأكثر حيرةً كل ذلك من أجل ماذا؟
وفي جانبٍ آخر هُناك المسافرون الذين استغلوا ” التقنية ” للاستفراد بالضعفاء والتنكيل بأُسرهم إنسانياً واقتصادياً، لتشعر تلك الأُسر و كأنهم مخذولون في كل شيء؛ من خلال نشر تفاصيل ما أنعم الله عليهم من سعةٍ في الرزق فــ أولئك المسافرون لم يكن والدهم ” مرابطاً في الحدّ الجنوبي ” ولم تمنعهم متطلبات الحياة اليومية من صرف الأموال للتنزة هُنا وهناك في مشارق الأرض ومغاربها …! فنحن اليوم نعيش في حقبة زمنية مختلفة عن تلك التي كانت قبل عقدين من الآن ؛ في حقبتنا اليوم تغيرت فيها أنماط الحياة وتباينت بين أسرةٍ وأخرى الكثير من الاختلافات وطرأت على طُرق تواصُلنا مع الأخرين متغيرات عاصفة أحدثت قطيعة بين الخلف والسلف ..!
**
وإن كان الآخرون مع كل جديد تقني يصعدون في سلم نجاحهم ومجدهم درجة نتراجع نحن في المقابل درجات ومثل تلك الحقائق قطعاً إنها تؤشر إلى أشياء وتدل على أشياء ..!
أنا لا أمنع المسافرون من توثيق ذكرياتهم طبعاً، لكنها الدعوة إلى تنظيم ذلك التوثيق بحيث لا يتأثر معه البسطاء ومن هُم دونهم اقتصادياً واجتماعيا ؛ وإن نظرنا بعين الحقيقة لاستخدامنا الخاطئ لــ «الواتس آب» فإني أجد انطباق قول الشاعر الساخر ” جئنا به يشفع في حاجةٍ.. فصار محتاجاً إلى شافعِ ” فــ «الواتس آب» الذي جئنا به ليكون وسيلةً تقنية تُساعدنا على اللحاق بالعصر ونجاحاته أصبح مُحتاجاً إلى شفيعٍ يُصيّره إلى الفكاك والخلاص منّا…!!
[email protected]
هاتفٌ ذكي..ومُهاتفٌ أحمق
![](https://archive.albiladdaily.com/wp-content/uploads/2016/08/2-293.jpg)