أرشيف صحيفة البلاد

نبعت جذورها من لدن المؤسس .. سيرة ذاتية حفلت بالإنجازات العظيمة

إعداد: مركز المعلومات ..
هو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود بن مقرن بن مرخان بن ابراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، وينتهي نسبه الى بكر بن وائل من بني أسد بن ربيعة.
وترتيبه الخامس عشر بين اخوته أبناء الملك عبدالعزيز عموماً، والثاني بين أشقائه بعد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله)، من أم تنتسب الى بيت من أعرق البيوتات العربية.
ويشغل منصب ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، ويمتاز هذا العبقري العظيم بكل فضيلة، فهو من أعظم الرجال حزماً وعزماً، وعلماً ودراية، ومعرفة وحكمة، وشجاعة وكرماً، وجوداً وعطاءً وندى، وفطنة وذكاءً وسؤدداً، خطيب؛ إذا نطق أصاب، وذو مقول لا يعاب.. كثر الله من أمثاله.
ميلاده ونشأته
ولد الأمير سلطان بمدينة الرياض في يوم الخميس 13 رجب 1346هـ الموافق 5 يناير 1928م، ونشأ في كنف والده الملك عبدالعزيز – رحمه الله – حيث ترعرع طفلا في أحضان هذا الفارس العظيم، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، ولقي عناية والده، كغيره من أفراد بيت الملك عبدالعزيز، فتربى تربية صالحة وتعلم القرآن الكريم والعلوم العربية على يد معلمين وعلماء كبار كانت مهمتهم العناية به. ثم واصل تعليمه، فكان لهذه العناية، والتنشئة الدينية أثر كبير في أخلاقه وتصرفاته، وبالتالي في حياته العامة وعلاقته بالناس.. ويتصف الأمير سلطان بالجد في العمل، وترك الدعة، مما مكنه من ادارة وتسيير أمور المناصب التي تقلدها.
هو سليل بيت ملك، ويكفي سموه فخراً ان سمعته بالخير قد ملأت الخافقين، فهو نادرة زمانه نبلا وكرما وسماحة ووفاء، وجه عربي أصيل يشع منه نور وضياء، يحبه القاصي والداني، ويشهدون بأنه «سلطان الخير» ووجه الخير ومعه الخير أينما حل. كذلك يكفي سموه فخراً انه ابن عبدالعزيز، أعظم القادة الذين أنجبتهم الأمة العربية في القرن العشرين، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، البطل الفارس الشجاع، الحاكم الحكيم. مرض الأمير سلطان يوماً فزاره والده الملك عبدالعزيز الذي قلَّما يخرج من قصره إلا نادراً، فقال له: يا بني أرجو ان يكون رضاك عني كرضائي عنك.
أما أمه في حصة بنت أحمد السديري، وهي سيدة مرموقة تكنى بـ «أم فهد»، اسم ابنها الأكبر، الملك فهد (رحمه الله)، وكانت أم فهد شخصية قوية يحترمها الجميع، وتمتزج مشاعر القوة لديها بمشاعر الحب والحنان. وقد توفيت عام 1389هـ الموافق 1969م.
تأثره بوالده الملك عبدالعزيز (رحمه الله)
تعلَّم الأمير سلطان في مدرسة والده الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وفي مدرسة الحياة عاملاً وفياً مع الملوك من بعده. وقد أخذ عن والده صفات كثيرة من أبرزها التواضع وحب الشعب والقرب منهم وتلمس حاجاتهم.. يقول الملك عبدالعزيز:«إنني أود أن يكون اتصالي بالشعب وثيقاً دائماً، لأن هذا أدعى لتنفيذ رغبات الشعب.. لذلك سيكون مجلسي مفتوحاً لحضور من يريد الحضور.. أنا أود الاجتماع بكم دائما، لأكون على اتصال تام بمطالب شعبنا وهذه غايتي من وراء هذا الاتصال». ويقول الأمير سلطان بن عبدالعزيز: الذي أحب أؤكده هو أنني لا أرد طلباً تليفونياً أو كتابياً أو لقاء من أي كان رجلاً أو امرأة شباباً أو شيباً بواسطة أو بغير واسطة لأنني اعتبر نفسي خادماً لهذه الأمة تحت توجيه ورعاية وحنان وعاطفة خادم الحرمين الشريفين.
ولا شك ان مجلس الملك عبدالعزيز الذي يضم نخبة من رجال العالم العربي وقادته وعلمائه من الفقهاء وأهل البصيرة والرأي، كان له تأثير كبير على شخصية أبناء عبدالعزيز الذين يحضرونه، ومن ضمنهم سلطان؛ ففي هذا المجلس تعلم أبجديات القيادة المخلصة والحكمة وطرق تسيير شؤون الحكومة، وخفايا الحياة السياسية وتعقيداتها، حتى أصبح واحداً من أمهر الساسة في الوقت الحاضر.
كذلك اكتسب الأمير سلطان تقليدا عربيا اسلاميا أحياه والده الملك عبدالعزيز عندما فتح الأبواب لمن يشاء من المواطنين أيًّا كانوا ليحضروا المجلس ويفضوا اليه بما لديهم من شكاوى أو مطالب أو نصائح. وهذا التقليد الذي غرسه الملك عبدالعزيز في كل أبنائه لا يوجد له مثيل في أية ديمقراطية حاضرة.
وقد توسم الملك عبدالعزيز – رحمه الله – في ابنه الأمير سلطان، النباهة والفطنة منذ الصغر، فأولاه ثقته، وعيّنه أميراً على عاصمة ملكه الرياض في 1 ربيع الآخر 1366هـ الموافق 22 فبراير 1947م، وساهم، مع والده، في اقامة نظام اداري متين، مبني على العدالة الاجتماعية، وتطبيق شريعة الاسلام.
وعند وفاة الملك عبدالعزيز – رحمه الله – كان العمل جارياً على تأسيس مجلس الوزراء وقد اختير الأمير سلطان في هذا المجلس وزيراً للزراعة.
خدمته مع الملك سعود (رحمه الله)
شكّلت علاقة الأمير سلطان بإخوانه الملوك علاقة هامة طوال تاريخه، فقد كان ملازما للملك سعود منذ صباه وقت ان كان أميراً على الرياض، وأقام سموه للأمير سعود العديد من حفلات الاستقبال في قصره بالعزيزية، وبعد ان ترك امارتها رافق الأمير سعود وهو ولي العهد الى الأردن والعراق في زيارتين رسميتين، ثم عندما أصبح وزيراً للزراعة كان اقترابه من الملك سعود أكثر ورافقه في جميع جولاته داخل المملكة. وبلغت هذه العلاقة مع الملك سعود عندما نقله الى وزارة المواصلات بعد النجاح الذي حققه في الزراعة. وبعد ان ترك وزارة المواصلات ظل سموه مرافقاً للملك سعود.
وفي عهد الملك سعود كان الأمير سلطان أحد الشباب المتدفق حيوية وفطنة وذكاء، في وقت كانت الدولة الفتية في حاجة للعقول الشابة المفكرة والعقليات المستنيرة لتأخذ زمام المبادرة في عملية التنمية ودفع عجلة النهضة الى الأمام؛ فجاء اختيار سموه لعدد من المناصب والوزارات المهمة في مسيرة بناء الوطن. فقد عُين الأمير سلطان عضواً بمجلس الوزراء في المملكة، بعد ان تم تعيينه وزيراً للزراعة في يوم الخميس 18 ربيع الثاني 1373هـ الموافق 24 ديسمبر 1953م، عند تشكيل أول مجلس للوزراء بالمملكة. وكان أحد أهم المشروعات التي عنى بها سموه، مشروع توطين البادية، الذي يحظى باهتمام الدولة في سياق خطواتها التطويرية والتنموية؛ فقد ساهم سموه في توطين البادية ومساعدتهم في اقامة مزارع حديثة. وقد كان نهج سموه واضحاً في هذه الوزارة حيث سار من بعده على نهجه، فقد كانت خطة عمل سموه تقوم على العمل على تقدم وزارة الزراعة بصورها المختلفة في أنحاء المملكة، ومكافحة الآفات، وتوفير المياه، واقامة السدود، وحفر الآبار، وتدريب الشباب السعودي، وتقديم التوجيه والارشاد للمزارعين، وتنمية الرقعة الزراعية، وادخال التقنية والميكنة الزراعية.
وقد ترجم سموه ذلك الى واقع رغم قصر المدة التي كانت فيها وزارة الزراعة تحت مسؤوليته. فقد ارتفع عدد موظفي الوزارة الى أربعة أضعاف ما كان عليه، وأعاد سموه هيكلتها، وبدأت فكرة المحميات، ووضع خطة لانشاء محطة أبحاث زراعية بالمدينة المنورة، واهتم سموه بالمياه ومصادرها، كما دعم سموه المزارعين بالمساعدات بالآليات والمكائن وقطع الغيار والأراضي.
وزيرًا للمواصلات
ثم عُين الأمير سلطان وزيراً للمواصلات في يوم السبت 20 ربيع الأول 1375هـ الموافق 5 نوفمبر 1955م، وقد ساهم سموه في ادخال شبكات المواصلات الحديثة البرية والسلكية واللاسلكية، حيث أنشئت سكة الحديد بين الدمام والرياض، وأقيمت مشروعات هاتفية وبريدية عملاقة وطرق ومطارات وموانىء. فخلال عامين من تولي سموه الوزارة حققت وزارة المواصلات بقيادة وزيرها سلطان العديد من الانجازات الهامة ومنها:
مشروع الهاتف اللاسلكي المنشأ في الرياض والظهران والدمام والمدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة، وهذا أول ربط هاتفي للبلاد بالعالم الخارجي.. وانشاء مشروع الهاتف الآلي الأوتوماتيكي وأدخل هذا اللون من الاتصالات لأول مرة على البلاد في المنطقة الشرقية وجدة. كما تم اصلاح وسفلتة الكثير من الطرق والشوارع في مناطق المملكة، وتم توسعة مطار جدة.
وزيرًا للدفاع والطيران
ثم كانت النقلة الكبرى لوزارة الدفاع والطيران عندما صدر الأمر السامي الكريم رقم «21» وتاريخ 3 جمادى الآخرة 1382هـ الموافق 31 أكتوبر 1962م بتعيين الأمير سلطان وزيراً للدفاع والطيران، ولا يزال سموه – حفظه الله وأطال الله في عمره على طاعته – يشغل هذا المنصب بالاضافة الى مسؤولياته الأخرى. ومنذ ذلك التاريخ شهدت القوات المسلحة وثبات تطورية كبيرة، باعادة تنظيمها، وتحديث سلاحها، وانشاء الكليات والمعاهد العسكرية، واضافة سلاح رابع الى القوات المسلحة الرئيسية الثلاث «البرية والجوية والبحرية» وهو سلاح الدفاع الجوي الملكي السعودي. وقد أشرف سموه بشكل مباشر على تنفيذ خطط وبرامج محددة الأهداف، لتطوير القوات المسلحة، مما آتى أطيب الثمرات، ووضع القوات السعودية في مستوى العصر: تنظيماً، وتدريباً، وتسليحاً.
وقد رعى سموه المشروعات العسكرية الكبرى، كالمدن العسكرية، والمستشفيات، والقواعد البرية والجوية والبحرية وغيرها مما يعتبر – اليوم – من مفاخر القوات المسلحة، وعلامات مضيئة في المسيرة التنموية.
مرافقته للملك فيصل (رحمه الله)
استفاد الأمير سلطان كثيرا من خبرات الملك فيصل ـ رحمه الله ـ لأنه كان على الدوام ملازما له، في جميع رحلاته الخاصة والدولية، حيث حضر العديد من المؤتمرات والاجتماعات. وقد اكتسب منه السياسة، والحنكة، والدقة في المواعيد، وغيرها من الصفات الحميدة، إذ انه كما ذكرنا كان ساعده الأيمن لعدة سنوات.
ملازمته للملك خالد (رحمه الله)
رافق سموالأمير سلطان الملك خالد ـ رحمه الله ـ في جميع رحلاته الخارجية، وكان على الدوام ملازما له في جميع رحلاته الرسمية والعلاجية وغيرها، وفي حضور المؤتمرات العربية والاسلامية والدولية خلال حكمه، وكان يحظى بمحبته وثقته، فقد كان الخادم الذي معه في كل موضع، أولاه الملك خالد محبته وثقته وكلفه بمهام جسيمة في ذلك الوقت، كان الأمير سلطان البارع فيها.
مسؤولياته في عهد الملك فهد (رحمه الله)
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد (رحمه الله) استطاع الأمير سلطان ان يتوج خبرته الطويلة في أن يكون عونا للملك وهو في منصبه كنائب ثان لرئيس مجلس الوزراء ومساعدا للملك عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) ابان توليه لولاية العهد في مهامه، وقد استفاد سموه من خبرة وتوجيهات الملك فهد (رحمه الله) كثيراً، وكان عضده الى جانب أخيهما خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
وبالرغم من كون الأمير سلطان يضطلع بمهام جسام ومسؤوليات كبرى ومن أهمها وزارة الدفاع والطيران المناط بها حماية أراضي وأجواء ومياه وسواحل المملكة الشاسعة المترامية الأطراف، وللثقة الكبيرة التي يحظى بها الأمير سلطان وإضافة الى مسؤولياته المذكورة فإن سموه يضطلع بمسؤوليات أخرى في رئاسة، أو نيابة رئاسة، عدد من اللجان والمجالس والهيئات التي تشرف على قطاعات معينة من الدولة، يفوق عددها (15) لجنة ومجلسا وهيئة وغيرها. ورغم تشعب مسؤولياته وارتباطاته، لكونه ثاني رجل في الدولة، إلا أنه لم يحس منسوبو القوات المسلحة بأي تغيير في حجم اهتمام سموه بالقوات المسلحة ومنسوبيها، فلقد كان يفضل أن يعطي مسؤولياته الأخرى الاهتمام الذي تستحقه من وقته وطاقته، وعلى حساب راحته الشخصية، بدلا من أن يكون ذلك على حساب رعايته للقوات المسلحة.
تفانيه في خدمة الوطن
يقول الأمير خالد بن سلطان: (.. كان والدي.. ولا يزال.. دائم الانشغال بمهامه الحكومية وزيرا للدفاع، إذ يحتفظ بهذا المنصب حتى الآن، دون انقطاع.. فصورته التي انطبعت في ذاكرتي، وأنا طفل، هي استغراقه الدائم في العمل، منهمكا في الأوراق او متحدثا عبر الهاتف).
وقد ضرب الأمير سلطان أروع الأمثلة في التضحية والتفاني في حب الوطن، وقدم درسا عظيما في الإحساس بالمسؤولية عندما اجتاحت قوات النظام العراقي دولة الكويت، وكان سموه يقضي فترة نقاهة من عملية جراحية معقدة، ومع ذلك عاد سموه الى ارض الوطن، ولم يستكمل برنامجه العلاجي أو يأخذ فترة نقاهته، على الرغم من معارضة أطبائه لذلك، ولم يستطع أحد أن يثنيه عن العودة إلى أرض الوطن، والوقوف إلى جانب رجاله وأبنائه في لحظة من أحرج اللحظات التي عرفها تاريخ المملكة وتاريخ القوات المسلحة السعودية، حيث أخذ سموه ينتقل بين المدن والقواعد العسكرية والمعسكرات والخطوط الامامية على الرغم من العملية الجراحية التي كان لا يزال يعاني من آثارها. لقد كان سموه يزور القواعد متكئا على عصاه باسما رابط الجأش واثقا من نصر الله ثم من شجاعة وإخلاص ابنائه الجنود والضباط ضاربا بذلك المثل الأعلى في تجشم الصعاب وإنكار الذات.
يقول الأمير خالد بن سلطان عن ظروف عودة الأمير سلطان الى المملكة أثناء الأزمة: (اتصلت في اليوم الخامس من أغسطس، بالأمير سلطان في المملكة المغربية اطلب توجيهاته، فلا ريب وأنه قد شغل منصب وزير الدفاع لأكثر من ثلاثة عقود، أضحى نبض القوات المسلحة الموجه لحركة إيقاعها بفكره وقلبه).
فهو على علم تام بكفاءة كل قائد وضابط، وبمدى استعداداتنا وقدراتنا. كان الرجل الوحيد الذي في مقدوره أن يجد حلولا للمشاكل التي كنا نواجهها. فالأمير سلطان وإن لم يكن عسكريا إلا ان خبرته العسكرية تفوق خبرة كل قائد في صفوف قواتنا المسلحة.
كان الأمير سلطان لسوء الحظ، يتحرك في تلك الفترة بصعوبة وألم شديدين عقب الجراحة التي اجريت له في الركبة، حتى إن الملك فهد (رحمه الله) طلب منه رفقا به ورحمة، أن يبقى في المغرب الى حين اكتمال شفائه، ولكن الأمير سلطان ما كان ليبقى بعيدا عن وطنه في تلك الظروف المصيرية، وشعرت بالارتياح عندما علمت بقرار عودته إلى البلاد فوراً).
وأضاف الأمير خالد في موضع آخر في كتابه (مقاتل من الصحراء): «وآلمني كثيرا أن التحليلات التي قرأتها عن الحرب لم توفّه حقه وزيرا للدفاع (يعني الأمير سلطان).. كان حقا الجندي المجهول وراء النصر في حرب الخليج.. كانت بصماته وأفكاره تشكل نبض المعركة وحركتها، فكان حقا القائد الموجه، مفتاح النصر وسر النجاح».