تقرير- محمود العوضي
توقع المحللون والخبراء الرياضيون ومحبو كرة القدم حول العالم، قبل انطلاق النسخة الخامسة من نهائيات كأس العالم بسويسرا 1954،
أن تكون البطولة نزهة للفريق المجري -الهنجاري- الكبير، لكن الأمور لم تمض بالشكل المتوقع له، وشهدت العديد من الأمور المفاجئة، وغير المتوقعة، على كلٍ..
كانت بطولة ممتعة، وشهدت تسجيل 5.38 هدف بالمباراة الواحدة، وهو أعلى من أي وقت مضى.
كاس العالم سويسرا 1954
مرحلة المجموعات
تم تقسيم المنتخبات الستة عشر إلى أربع مجموعات، تضم مجموعة أربعة منتخبات، على أن تلعب كل منها مباراتين فقط، شهدت البطولة الكثير من المنتخبات المألوفة مشاركتها بالبطولة، مثل إنجلترا والبرازيل و أوروجواي، وقد شقوا طريقهم بنجاح.
لم يتمتع فريق بالبطولة بصيت عال وترشيح كبير، كما بدأ فريق المجر في أول مباراتين، فقد فاز على كوريا الجنوبية 9/0 بمباراة الافتتاح، قبل أن يتغلبوا على الألمان بنتيجة 8/3 ، ولكنها كانت مباراة فارقة للفريق المجري، حيث تعرض فيرينك بوشكاش لتدخل قوي على قمه اليسري الشهيرة؛ مما جعله يضطر للجلوس مباراتين قادمتين للفريق المجري الذهبي.
عاش الفريق الألماني وقتا عصيبا بعد الخسارة الأولى، لكنه عاد لأجواء البطولة، وخاض مباراة فاصلة مع تركيا فاز بها بنتيجة 7/2. المنتخب السويسري أيضاً اضطر للعب مباراة إضافية للتأهل، وفاز على المنتخب الإيطالي، بعد أن فاز كل فريق منهم بمباراة، وخسر أخرى بالمجموعة الرابعة.
الدور ربع النهائي
شهد هذا الدور إقصاء منتخب صاحب الأرض – سويسرا- على يد جاره منتخب النمسا في مباراة مثيرة رائعةن انتهت بنتيجة 7/5 للأخير، النمسا الذي سيكون ضحية في الدور نصف النهائي.
أوروجواي، المنتخب الذي لم يهزم في تلك المسابقة حتى وقتها، كان قادراّ على الحفاظ على مسيرته بعد الفوز على إنجلترا في بازل بنتيجة 4/2.
بينما واصل فريق المجر طريقه بعد مباراة بدنية عنيفة مع البرازيل، بينما تقدمت ألمانيا الغربية، وحققت فوزا صريحا على يوغوسلافيا.
الدور نصف النهائي
كان لقاء المجر والأوروجواي في هذا الدور مباراة قمة بدون منازع، وصراع الجبابرة على زعامة كرة القدم في هذا الوقت، وقد كانت مباراة متكافئة للغاية، لكن كان الفريق المجري هو المنتصر بنهاية المطاف بالأشواط الإضافية؛ بفضل هدفين رأسيين لساندور كوسيز.
وفي بازل حقق المنتخب الألماني فوزا سهلا، وواضحا على النمسا بنتيجة 6/1، ولم يعان شيئا ليتقدم للنهائي بكل ثبات.
المباراة النهائية
كانت المباراة النهائية لا تنسى لألمانيا الغربية، التي صدمت العالم كله بهزيمة الفريق الذهبي المجري بنتيجة 3/2 في مباراة أطلق، ومازال يطلق عليها “معجزة بيرن”، فقد تقدم الفريق المجري بهدفين في أول 9 دقائق، وظن الجميع أن رفاق بوشكاش يستعدون مبكراً للتتويج،
ولكن في منتصف الشوط الأول عاد المنتخب الألماني إلى المباراة، وأعادها لنقطة البداية بالتعادل، ثم أحرز هدف الانتصار في الدقائق الأخيرة.
أبطال وأوغاد
يتذكر الجميع كيف ظهر الفريق المجري بشكل عظيم مع ساندور كوسيز، الذي سجل 11 هدفا بتلك البطولة، بالإضافة إلى حارس مرماه جيولا جروسيكس، فهما اسمان قدما بطولة مازال الجميع يتذكرهما بها.
على الرغم من أن هيلموت ران كانهو صاحب هدف البطولة، والفوز للفريق الألماني بالدقيقة الأخيرة،
لكن يتذكر الجميع دائماّ كابتن الفريق، وصانع ألعاب فريتز والتر، وهو واحد من أهم الشخصيات الرياضية وقتها، وكان الرجل الأكثر حسماً وسببا في انتصارات الفريق الألماني، ومن فريق أصحاب الأرض السويسريين،
برز إريك بروبست، الذي داعب الشباك كثيراً بتلك البطولة.
يمكن القول: إن اللاعب الحاسم في تلك البطولة، هو لاعب ألمانيا الغربية ويرنر ليبريخ، الذي كان صخرة الفريق بأتم معنى الكلمة، لكن إصابة النجم المجري الكبير بوشكاش، ألحق به الكثير من الضرر، وحطمت ما كان الجميع ينتظره من الرجل المتمرس، في تلك المنافسات، والبطولة الكبرى.
مباريات لا تُنسى
أطلقت على مباراة البرازيل- المجر في ربع النهائي لقب ” معركة بيرن”، وذلك بسبب العنف الكبير الذي صاحبها،ولعدم وجود لعب كرة قدم حقيقي، وقد تضرر لاعبون ؛بسبب تلك المباراة التي كانت تميل أكثر لرياضة الملاكمة من كرة القدم.
مباراة نصف النهائي بين المجر وأوروجواي، دخلها المجريون بهدف الحفاظ على الرقم القياسي بعدم الهزيمة لـ 6 سنوات على التوالي،
في حين أن فريق أورجواي لم يخسر أي مباراة بالبطولة، كانت مباراة رائعة فقد تقدم الفريق المجري الأوروبي بهدفين قبل أن يأخذ جون هوبيرج المباراة للوقت الإضافي، ثم تمكن هداف المجر كوسيز من إحراز هدفه الحاسم، وقاد المجريين للنهائي.
بعد ذلك لا يمكن أن تنسى المباراة النهائية، أو “معجزة بيرن” والذي بدأها المجريون بهدفين في مرمى الألمان، الأول كان من قبل بوشكاش الذي سكنت تسديدته الشباك رغم إصابته بالركبة اليسرى، وذلك بعد 6 دقائق فقط من البداية.
لكن كانت مباراة الدول الأول مختلفة بين الفريقين؛ حيث إن المدرب الألماني سيب هيربرجر بدأ البطولة بفريق مختلف تماماً عن الذي لعب المباراة النهائية، وشهدت التشكيلة ما لا يقل على خمسة تغييرات.
عاد الألمان للمباراة من جانب ماكس مورولك، ثم تبعه هيلموت ران بهدف التعادل في منتصف الشوط الأول، حافظ الألمان على صمودهم حتى قبل 6 دقائق من النهاية؛ عندما سجل ران هدفه الثاني بشكل مفاجيء، وصادم للجميع، بوشكاش ظن أنه بعدها قد أنقذ فريقه بهدف، لكن تم إلغاؤه بداعي التسلل.
قائمة هدافي البطولة
ساندور كوسيز – المجر (11 هدفا )
إيريك بروبست – سويسرا (6 أهداف )
ماكس مورولك – 6 أهداف ( ألمانيا الغربية)
جوزيف جويجي – 6 أهداف (سويسرا)
اعتاد السياسيون في الماضي على وضع العقبات في طريق بطولات كأس العالم، ولكن في عام 1954 بسويسرا أخذت كرة القدم بثأرها.
فقد تولت الرياضة إدارة الدفة، وبدأت تؤثر في عالم السياسة.
وجاء فوز ألمانيا غير المتوقع بلقب هذه البطولة كأفضل رد اعتبار لها عقب الحرب العالمية الثانية، معلنة اندماجها من جديد في المجتمع العالمي.
ومع عودتها إلى أوروبا، اتخذت بطولة كأس العالم بعدا جديدا بإقامتها في سويسرا.
فقد استغلت الدولة الأوروبية الصغيرة بطولة كأس العالم للتروج لنفسها كمنتجع سياحي، وباعت أول تذكارات لكأس العالم، كما شهدت أول تغطية تليفزيونية للحدث.
وتحولت بطولة كأس العالم إلى أحد أكبر احتفاليات كرة القدم على الإطلاق. وبوصول رصيد الأهداف الذي سجل خلالها إلى 140 هدفا بمتوسط 38ر5 أهداف في المباراة الواحدة، احتفظت بطولة كأس العالم 1954 في سويسرا بمكانتها في التاريخ بأفضل معدل تهديفي.
كما شهدت البطولة العديد من الأحداث التي كانت لها أهمية كبيرة في مساهمة سويسرا في حركة تطور عالم كرة القدم.
فقد شاركت الفرق الأفريقية بنهائيات كأس العالم للمرة الثانية في تاريخها، بعد مشاركة المنتخب المصري في بطولة 1934 بإيطاليا، كما وضع اللاعبون أرقاما على قمصانهم للمرة الأولى أيضا.
وتقدمت 45 دولة بطلبات للمشاركة في كأس العالم 1954، وإن كانت سبع من هذه الطلبات قد وصلت خارج الفترة المحددة للتسجيل. وفي النهاية لم يذهب إلى سويسرا سوى 16 فريقا.
وأجريت بطولة كأس العالم 1954 في الفترة ما بين 16 يونيو، والرابع من يوليو، بست مدن سويسرية، واشتملت على أكثر أنظمة جداول المباريات تعقيدا في تاريخ كرة القدم.
ففي الدور الأول للبطولة، وزعت الفرق على أربع مجموعات، كل مجموعة تضم فريقين “مصنفين” وفريقين “غير مصنفين” وكل من القسمين لم يضطر لمواجهة الآخر.
وفي دور الثمانية لم يلتق أوائل المجموعات مع ثواني المجموعات المقابلة لها كالمعتاد، وإنما التقى الأوائل بالأوائل، والتقت المنتخبات صاحبة المركز الثاني ببعضها البعض.
وكان أفضل من فهم هذا النظام هو المدرب الألماني سيب هيربرجر الملقب بالرجل العجوز، أو “دير ألته” والذي لقن الجميع درسا في فن التخطيط.
ففي مباراتها الأولى فازت ألمانيا على تركيا 4/1 ،وفي مباراتها الثانية دفع هيربرجر بالفريق الاحتياطي لمنتخب ألمانيا ليخسر 3/8 من المجر، التي كانت المرشحة الأولى لإحراز اللقب، وشاركت بالبطولة بسجل نتائج خال من الهزائم طوال أربعة أعوام.
ولكن هيربرجر تأكد من أن نجم المنتخب المجري فيرنك بوشكاش قد خرج من المباراة مصابا. وتعدلت الحسابات لاحقا،
عندما فازت ألمانيا على تركيا مجددا 7/2 في لقاء فاصل، مما يعني أن ألمانيا أنهت الدور الأول في المركز الثاني بمجموعتها.
وفي دور الثمانية الذي تغلبت فيه المجر على البرازيل، وأورجواي على إنجلترا لم تواجه ألمانيا أي مشاكل في التغلب على يوغوسلافيا.
وفي الدور قبل النهائي، وبينما دخلت المجر وأورجواي في معركة شرسة في مدينة لوزان، انتهت بفوز الفريق الأوروبي 4/2 بعد الوقت الإضافي، تأهلت ألمانيا إلى النهائي بسلاسة تامة بتغلبها على النمسا 1/6.
وفي نهائي كأس العالم 1954 فرض لاعبو المجر، الذين عرفوا بلقب “المجريين الساحرين” سيطرتهم منذ صفارة البداية،
وأحرزوا هدفين خلال العشر دقائق الأولى بالمباراة. ولكن مع الإرهاق الشديد ، ووجود بوشكاش بنصف قوته فقط ، تمكنت ألمانيا من العودة للمباراة. وفاز لاعبو هيربرجر 3/2 وسط ذهول 64 ألف متفرج كان من بينهم 40 ألف ألماني،
اكتظ بهم استاد “فانكدورف” في بيرن. وأثار الفوز الالماني غير المتوقع كل أنواع الشك والريبة.
ففي البداية تردد أن الاتحاد المجري لكرة القدم قد “باع” المباراة لألمانيا مقابل الحصول على جرارات لبلاده. ثم أثيرت شائعات لاحقا عن تعاطي اللاعبين الألمان للمنشطات بعد عدة حملات من التحامل عليهم.
ولكن كل هذه الشائعات كانت في المرتبة الثانية، من حيث أهمية المباراة التي ربما تكون صاحبة التأثير الأعظم في التاريخ خارج إطار كرة القدم.
لقد أعادت “معجزة بيرن” كما أطلق على المباراة منذ ذلك الوقت الكرامة والهوية الوطنية لألمانيا.
وأصبحت ألمانيا مجددا دولة ذات وزن في المجتمع الدولي. وبات بوسع الألمان أن يفخروا علنا من جديد بكونهم ألمانا.
لم تكن قد مرت أكثر من تسع سنوات على نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت ألمانيا قد قسمت وتعيش في حالة من الخزي الأخلاقي نتيجة للجرائم التي اقترفت باسمها.
وسعى معظم الألمان لبحثوا عن الملاذ الآمن وفي عام 1954 وقفت البلاد على أعتاب ما سمي بالمعجزة الاقتصادية.
وكان انتصار ألمانيا في كأس العالم 1954 هو بداية نهاية الكابوس الذي عاشت فيه البلاد طوال سنوات ما بعد الحرب.