جدة – إبراهيم المدني
شكى مواطنون ومقيمون من ارتفاع أجور المحامين والقانونيين، في ظل عدم وجود ضوابط تنظمها أو تحدد سقفها ، حيث يرى بعضهم أنها مبالغ فيها، في الحين ذاته يرفض عدد من المحامين والمستشارين القانونيين فكرة تحديد أتعاب لنشاطهم الوظيفي،
وعللوا ذلك بقولهم إن سوق العمل مفتوح في المملكة، والخيارات متاحة أمام المواطن ، ومكاتب المحامين منتشرة في جميع أرجاء المدن بالمملكة، وبالتالي تخضع عملية تحديد أسعار الأتعاب لقانون العرض والطلب، إذ سيبحث المستفيد عن السعر الذي يناسبه، وكل محامٍ يحدد أتعابه حسب خبرته ونوع القضية التي سيتولى الدفاع عنها ، وبالتالي فإن تحديد الأتعاب – من وجهة نظرهم – غير منطقي وغير نظامي ولا يمكن تطبيقه على أرض الواقع.
(البلاد) ناقشت القضية وكانت البداية مع ياسر بن طلال العشماوي، المحامي والمستشار القانوني، والذي اعترض على اقتراح توحيد الأسعار، وقال في تعليقه على مطالبات الأهالي:”لا يمكن تحديد سقف معين لأتعاب المحامي؛ فالقضايا متنوعة وخبرة المحامي تتفاوت من شخص لآخر. مضيفًا بقوله: “فالمحامي المبتدئ يقبل معاملات وقضايا مقابل أجر قليل، أما المحامي صاحب الخبرة فهو يعرف حجم القضية والمدة الزمنية التقريبية لإنجازها”.
وأضاف “العشماوي” قائلًا: “هناك قضايا تحتاج لتدخل عدة جهات، وقد تستغرق عامًا أو أكثر، وقضايا أخرى لا تستغرق أكثر من شهر وتنتهي”. ولفت المحامي إلى أن تحديد أسعار ثابته للمحامين أمر غير منطقي وغير نظامي، ومن حق المواطن أو المقيم البحث عن السعر الذي يناسبه في مكاتب المحامين وهم كثر في جدة وفي عموم مدن المملكة.
العرض والطلب:
من جانبه أكد أحمد بن عبد الرحمن برناوي، المحامي، على أن تحديد أتعاب المحامين فيه ظلم لهم؛ فهناك عوامل كثيرة تحتم ضرورة عدم تحديد الأتعاب من قبل أي جهة، وترك هذا الأمر للمحامي والعرض والطلب في السوق.
وأشار “برناوي” إلى أن هذه العوامل ممثلة في خبرة المحامي، ونوع القضية التي يتولى الدفاع عنها. واستطرد المحامي قائلًا: “كما تعلمون هناك قضايا تحتاج لتدخل عدة جهات ويصادف أحيانًا أن يكون هناك قضيتان متشابهتان، إحداهما تنتهي في فترة وجيزة والثانية تأخذ أضعاف المدة الزمنية، وهذا يعتمد على مدى تجاوب أطراف القضية، وتداخل الإجازات خلال هذه الفترة”.
ولفت “برناوي” إلى ضرورة البحث عن الخيار المناسب للراغب في الاستفادة من مكاتب المحاماة، فالسوق يخضع للعرض والطلب، وسيجد المستفيد مكتب محامي تتناسب أسعاره مع رغبته واذا كان يرغب في الاستفادة من خدمات محامي صاحب خبرة في عمله فسيجده أيضًا بالأتعاب التي يحددها.
الاقتصاد الحر:
وفي السياق نفسه استبعد نايف آل منسي، المحامي، فكرة تحديد أتعاب المحامين وقال: “اقتصاد المملكة حر، وهو يخضع للعرض والطلب، ولا يمكن تحديد سقف معين لأتعاب المحامين، لأنه لا يمكن تحديد المدة الزمنية التي تستغرقها القضايا مسبقًا حتى صدور الأحكام”. مشيرًا إلى أنه في حالات كثيرة حتى بعد انتهاء القضية، يحدث خلاف واستئناف ويتابع المحامي كل هذه المراحل. وأضاف قائلًا: “المحامي هو الشخص الوحيد الذي يحدد أتعابه وكثيراً ما يظلم نفسه لخروج كثير من الأمور عن إرادته”.
الشريعة والنظام:
من جهته قال أحمد بن محمد السلامة، المحامي والمستشار القانوني: “الأصل في الأسعار شرعًا عدم التحديد، فيترك الناس يبيعون ويشترون، ولا يتدخل أحد في تعاملهم بفرض سعر معين أو هامش محدد من الربح، وذلك انطلاقًا من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ (النساء:29)، فلم تقيد التجارة في الآية إلا بالتراضي بين الجانبين”.
كما استشهد “السلامة” بالحديث الشريف “عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال”. وأشار “السلامة إلى أنه جاء في قرار صادر عن المجمع الفقهي أن الأصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحرارًا في بيعهم وشرائهم وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وضوابطها؛ عملًا بالآية السابق ذكرها.
كما يشير قرار المجمع الفقهي إلى عدم وجود تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملاتهم، “بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة، مع مراعاة ما تقضي به الآداب الشرعية من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير”. علاوة على تضافر نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته كالغش والخديعة والتدليس والاستغفال وتزييف حقيقة الربح والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة.
كما نوه المجمع الفقهي إلى أهمية عدم تدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللًا واضحًا في السوق والأسعار، ناشئًا من عوامل مصطنعة، فإن لولي الأمر حينئذٍ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش.