حيدر إدريس عبد الحميد
من ينقذ السودان مما هو فيه وعليه الآن, بعد أن أحاطت به المؤامرات إحاطة السوار بالمعصم واختزنت أحشاؤه كميات هائلة من السلاح ليست في أيدي نظاميه, وترنح الحوار الوطني ما بين يد قابضة وأخرى مبسوطة وتغلغلت القبلية في مفاصل الدولة وتجاذبت مكونات عديدة النسيج الاجتماعي حتى تمزقت بعض أطرافه فاشتعلت الحروب القبلية في بعض المناطق وطال أمد الحصار الاقتصادي المفروض من قوى عظمى عليه وبترت بعض أجزائه بعد اكتشاف النفط فيها لتصبح دولة مستقلة وتذهب بغالبية هذه الثروة كما تعثر حسم المتمردين وكذا المتفلتين والمنظمات الأجنبية المشبوهة وأصبحت كثير من قضايانا تبحث في دوائر كل همها صب مزيد من الزيت على النار حتى تشوهت سمعتنا وفقدنا مكانتنا على الصعيد الإقليمي والدولي.
فثورة الانقاذ الوطني كما أطلق عليها في يومها الأول حيث جاءت بانقلاب عسكري في عام 1989م دخلت في متاهات لا حصر لها حتى قال قائل بعد 25 عاماً من الحكم :”أعيدونا حيث كنا قبل الانقاذ” أوليس ذلك قمة اليأس..وعلى كلٍ وأياً كانت مسببات الاخفاق فأن الفترة القادمة, التي جاءت بعد انتخابات فاترة ومشاركة حزبية ضعيفة تمثل فرصة عظيمة لمن تولوا أمور الناس لاستعادة ثقة الشعب فيما يتداوله من فساد وفقدان لهيبة الدولة وضعف اقتصادي وإداري ومواقف سياسية مهزوزة وانحراف بَين عن أهداف الثورة ومراميها التي ارتكزت عليها وقامت من أجلها وغير ذلك من المسالب التي كادت أن تعصف بالبلد كله لولا حكمة ويقظة وتجربة وطبيعة أبنائه الإنسانية.
إن الله يمهل ولا يهمل أما وقد حظيت الحكومة بخمس سنوات لإدارة شؤون البلاد والعباد فينبغي استغلالها في معالجة الأخطاء والعودة إلى النهج القويم الذي بشرت به وتطبيق الشعارات التي تعهدت بها منذ ميلادها على أرض الواقع وإلا فإن ما أفرزته الفترات الماضية على الصعيدين السياسي والاجتماعي لا يبشر بخير في ظل الصراع المحموم على كراسي السلطة.
هذا الوطن العظيم بخيراته, ظاهرة وباطنة. ظل ومنذ استقلاله فريسة لشخصيات تفرقت كلمتها وتباعد صفها فأدمنت الفشل بينما الشعب متدثر بإيمانه وسماحته وطيبته حافظ لأمنه واستقراره رغم بعض الأصوات المنكرة التي بدأت تتشدق بالدعوة إلى انفصال المزيد من أجزائه بعد أن عجزت عن تقديم نفسها بالفكر والرأي والتخطيط السليم لقيادة البلاد.
نسأل الله جل في علاه في هذا الشهر العظيم المبارك أن يجمعنا على الحق حكاماً ومحكومين وأن يؤلف بين قلوبنا جميعاً وأن نخلص النوايا من أجل المصلحة العامة فالوطن يسع كل أبنائه.